وكان كافور يُدْني الشعراء ويُجِيزُهُم، وكان يُقرأ عنده كل ليلة السيَّر وأخبار الدولة الأموّية والعبّاسية، وله نُدَماء، وكان عظيم الحِمّيَة يمتنع من الأسواق، وعنده جَوَارٍ مُغَنّيات، وله من الغلمان الرُّوم والسُّود ما يتجاوز الوصف، زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد، وكان كريمًا كثير الخِلَع والهِبات، خبيرًا بالسياسة، فطِنًا ذكيًّا جيّد العقل داهيةً، كان يُهادي المُعِزّ صاحب المغرب ويُظْهِر مَيْلَه إليه، وكذا يُذْعن بطاعة بني العباس ويُداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء.
ولما فارق المتنّبي سيفَ الدولة مُغَاضِبًا له سار إلى كافور وقال:
قواصدَ كافورٍ تَوَارِكَ غيرِهِ ... ومن قصد البحرَ استقَلَّ السَّوَاقيا
فجاءت بنا أنسانَ عين زمانه ... وخلّت بياضًا خلفها ومآقيا
فأقام عنده أربع سنين يأخذ جوائزه، وله فيه مدائح، وفارقه سنة خمسين، وهجاه بقوله:
مَن علَّم الأسودَ المَخْصِيّ مَكرُمَةً ... أَقَومُه البيضُ أَمْ آباؤُه الصيد
وذاك أنّ الفُحُولَ البِيض عاجزةٌ ... عن الجميل فكيف الخصْية السُّود
وهرب ولم يسلك الدّرْبَ، ووُضِعت عليه العيون والخيل فلم يُدْرِكوه، وسار على البّرّية ودخل بغداد، ثم مضى إلى شيراز فمدح عَضُدَ الدولة.
وكانت أيام كافور سديدة جميلة، وكان يُدْعى له على المنابر بالحجاز ومصر والشام والثغور وطروسوس والمَصَّيصة، واستقلَّ بمُلك مصر سنتين وأربعة أشهر.
قرأت في تاريخ إبراهيم بن إسماعيل إمام مسجد الزبير، كان حيًّا في سنة بِضعٍ وخمسين وخمسمائة، قال: كان كافور شديد السَّاعد لا يكاد واحد يمدّ قوسه، فإذا جاءوه بِرَام دعا قومه، فإذا أظهر العجز ضحك وقدَّمه وأثبته، وإنْ قوى على مدّه واستهان به عَبس، ونقصت منزلتُه عنده، ثم ذكر له حكايات تدل على أنَّه مُغْرًى بالرَّمْي، قال: وكان يداوم الجلوسَ للناس غدوة وعشيّة، وقيل: كان يتهجّد ثم يمرّغ وجهه ساجدًا ويقول: اللهمّ لا تسلّط عليَّ مخلوقًا.
تُوُفّي في جُمادى الأولى سنة ستَّ، وقيل: سنة سبعٍ وخمسين، عاش بِضعًا وستّين سنة.