دمشق أيضًا، وكثيرًا من بلاد الشام والجزيرة، وجرت له حروب، وذلك أنَّه توجَّه من حلب إلى حمص، فلقيه جيش الإخشيد وعليهم كافور الإخشيد المتوفَّى أيضًا في هذه السنة، فكان الظّفَر لسيف الدولة، وجاء فنازل دمشق فلم يفتحوا له، فرجع، وكان الإخشيد قد خرج بالجيوش من مصر، فالتقى هو وهو بنواحي قِنَّسرين، فلما ظفر أحدهما بالآخر تقهقر سيف الدولة إلى الجزيرة، ورد الإخشيد إلى دمشق، ثم ردّ سيف الدولة فدخل حلب، ومات الإخشيد بدمشق في آخر سنة أربع وثلاثين، وسار كافور بالعساكر إلى مصر، فقصد سيف الدولة دمشق وملكها وأقام بها، فذكروا أنّه كان يساير الشريف العقيقي فقال: ما تصلح هذه الغوطة إلّا لرجلٍ واحدٍ، فقال له العقيقي: هي لأقوام كثير، لئن أخذتها القوانين ليتبرّأون منها، فأعلم العقيقي أهل دمشق بهذا القول، فكاتبوا كافور فجاءهم وأخرجوا سيف الدولة بعد سنة، ودخلها كافور.
وُلد سيف الدولة سنة إحدى، ويقال: سنة ثلاث وثلاثمائة، ومدحه الخالديّان بقصيدة أولها:
تَصُدُّ ودارُها صدَدُ ... وتُوعدُه ولا تعِدُ
وقد قتلته ظالمَةً ... ولا عقل ولا قَوْدُ
بوجهٍ كلّه قمرٌ ... وسائر جسمه اسَدُ
وكان موصوفًا بالشجاعة، له غزوات مشهورة مع الروم، وكان مثاغرًا لهم، ومن شعره.
وساقٍ صَبيح للصّبُوح دعوتُه ... فقام وفي أجفانه سنة الغُمْضِ
يطوف بكاساتِ العُقار كأنْجُم ... فمِنْ بين مُنْقَضٍّ علينا مُنْقَضِ
وقد نَشَرَت أيدي الجنوب مَطارفًا ... على الجوّدُ كنَّا والحواشي على الأرض
يطرِّزها قوسُ السحاب بأصفَرٍ ... على أحمرٍ في أخضر إثر مُبْيَضِّ
كأذيال خَوْدٍ أقبلت في غَلائلٍ ... مُصَبَّغةٍ، والبعضُ أقصَرُ من بعضِ
وله:
أُقَبِّلهُ على جَزعٍ ... كشُرْب الطائر الفزع