في أول البيت أتْبَعْتُه بذِكْر الردَّى وهو الموت لتَجَانُسِه، ولما كان وجه المنهزِم لا يخلو من أن يكون عَبُوسًا، وعينه من أن تكون باكية. قلت: ووجهُك وضّاح وثغْرُك باسِمُ؛ لأجمع بين الأضداد في المعنى، وإنْ لم يتَّسع اللفْظُ لجمعِها، فأُعجِب سيفُ الدولة بقوله، ووصله بخمسمائة دينار.

وكان المتنبّي آيةٌ في اللغة وغريبها، يقال: إنّ أبا عليّ الفارسيّ سأله فقال: كم لنا من الجموع على وزن فَعْلَى؟ فقال لوقته: جحلى وظِرْبَى. قال أبو علي: فطالعت كُتُب اللغة ثلاث ليالٍ على أن أجد لهذين الجمعين ثالثًا فلم أجد، وجحلى جمع جحل، وهو طائر معروف، وظربى جمع ظربان، وهي دُوَيبة منتنة الرّيح.

ومن قوله الفائق:

رماني الدهْرُ بالأرْزاء حتّى ... فؤادِي في غشاء من نِبَالِ

فصرْتُ إذا أصابتني سهام ... تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ

وله في سيف الدولة:

كلّ يومٍ لك ارْتحالٌ جديدٌ ... ومَسيرٌ للمجد فيه مُقَامُ

وإذا كانت النُّفُوسُ كِبارًا ... تعِبَتْ في مُرادِها الأَجَسامُ

وله:

نَهَبْتَ من الأعمار ما لو حَوَيْتَها ... لَهُنِّئتِ الدُّنيا بأنَّك خالِدُ

ومن شعره:

قد شَرَّف الله أرْضًا أنتَ ساكِنُها ... وشرَّفَ النَّاسَ إذْ سَوَّاك إنسانا

وله:

أزُورُهُم وسَوَادُ اللَّيْلِ يشفعُ لي ... وأنْثَني وبياضُ الصُّبْحِ يُغْرِي بي

وله:

لولا المَشَقَّة ساد النَّاس كلّهم ... الْجُودُ يُفْقِرُ والإِقْدَامُ قَتَّالُ

ويُحْكَى عن بعض الفُضلاء قال: وقفت على أكثر من أربعين شرحًا لديوان المتنّبي ما بين مطوَّلٍ ومختصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015