وَكَانَ عَمْرو جميل السيرة في جيوشه، ذكر السلامي أَنَّهُ كَانَ ينفق في الجند في كل ثلاثة أشهر مرة، فيحضر بنفسه، ويقعد عارض الجيش والأموال بين يديه، والْجُنْد بأسرهم حاضرون، فأول ما ينادي إنسان باسم عَمْرو بن اللَّيْث، فيقدم فرسه إلى العارض بجميع آلتها، فيتفقدها، ثم يأمر بوزن ثلاثمائة درهم، فتُحمل إلى الملك عَمْرو في صُرّة، فيقبضها وَيَقُولُ: الحمد لله الذي وفقني لطاعة أمير المؤمنين، حَتَّى استوجبت منه العطاء، ثُمَّ يضعها في خفّه، فيكون لمن ينزع خفّه. ثُمَّ يدعو بعده بالأمراء عَلَى مراتبهم بخيولهم وعددهم وآلتهم، فتُعرض.
فمن أخل بشيء من لوازم الْجُنْد حُرم رزْقه.
وَقِيلَ: كَانَ في خدمة زوجة عمرو ألف وسبعمائة جارية.
وقد دخل في طاعة الخلفاء فولي للمعتضد أمرَ خُرَاسَان، وامتدت أيامه، واتسع سلطانه.
وقد سُقنا من أخباره في الحوادث.
وحاصل الأمر أَنَّهُ بغى عَلَى إسْمَاعِيل بن أَحْمَد بن أسد مُتولي ما وراء النَّهْر، وأراد أخذ بلاده، فبعث إليه إسْمَاعِيل يَقُولُ: أنا في ثغر وقد قنعت بِهِ، وأنت معك الدُّنْيَا فاتركني. فلم يدعه، وعزم عَلَى حربه، فعبر إسْمَاعِيل نهر جيحون إِلَيْهِ بغتة في الشتاء، فخارت قوى عَمْرو، وأخذ في الهرب في الوحل والبرد. فأحاط بِهِ أصحاب إسْمَاعِيل وأسروه.
قَالَ ابن عَرَفَة نِفْطَوَيْه النَّحْوِيّ في تاريخه: حَدَّثَنِي محمد بن أَحْمَد بن حَيَّان الكاتب، وَكَانَ شَخَصَ مَعَ عَبْد الله بن الفتح حين وجّه بِهِ إسْمَاعِيل بن أَحْمَد قَالَ: كَانَ السبب في انهزام عمرو بن الليث وهربه وهرب أصحاب عند عبور إسْمَاعِيل إلى بَلْخ، مقام عَمْرو بها، إِذْ أهلها سئموا مقامه ونزول أصحابه في منازلهم، وإفسادهم أولادهم، ومد أيديهم إلى أموالهم، فوافى إسْمَاعِيل، فأقام عَلَى باب بَلْخ مدّة، ثُمَّ خرج أمير من أمراء إسْمَاعِيل في أربعين رجلًا إلى موضع فيه ثلج عَلَى فرسخِ من بَلْخ؛ ليحمل لإسماعيل الثلج، فصادف رجالًا من أصحاب عَمْرو في الموضع، فأوقع فيهم وقتل، فانهزموا مجروحين إلى البلد، وأنذروا أصحاب عَمْرو، وعرّفوهم أن إسْمَاعِيل قد قدم، فأخذوا في الهزيمة، فركب عسكر إسْمَاعِيل أقفيتهم، وخرج عَمْرو