مع رِفْعة قدرٍ للأدب وأهله، وتجديده. ما دَرَسَ فِي أحوالهم قبله، وبذله لهم كريم ماله، مع شجاعة نفسه، وعلو همته، وصِغَر مقدار الدُّنيا عنده، إلّا ما قدّمه لِمَعَاده، مع سَعَةِ عِلْمه وكظْمه، وإفضاله على من أراد تَلَفَ نفسه.
قَالَ أبو عليّ التَّنُوخيّ: نا أبو الْحُسَيْن عَبْد الله بْن أَحْمَد: نا سُلَيْمَان بْن الْحَسَن أبو القاسم قَالَ: قَالَ أبو الْعَبَّاس بْن الفُرات: حضرت مجلس إِسْمَاعِيل بْن بُلْبُل، وقد جلس جلوسًا عامًا. فدخل إليه المتظلّمون والنّاس عليّ طبقاتهم. فنظر فِي أمورهم، فَمَا انصرف أحدٌ منهم إلّا بولايةٍ، أو صلةٍ، أو قضاء حاجة، أو إنصاف. وبقي رَجُل، فقام إليه من آخر المجلس يسأله سبب إجارة ضيعته، فقال: لأنّ الأمير -يعني الموفَّق- قد أمرني أن أُسبّب شيئًا إلّا عن أمره، وأنا أكتب إليه فِي ذلك.
فراجعه الرجل وقَالَ: مَتَى تركني الوزير، وأخّرني فَسد حالي.
فقال لعبد الملك بْن محمد: اكتُب حاجته فِي التّذْكرة.
فولّى الرجل غير بعيد، ثُمَّ رجع فقال: أيأذن الوزير؟ قَالَ: قُلْ.
فأنشأ يقول:
ليس فِي كلّ دولةٍ وأوانِ ... تتهيَّأ صنائع الإحسانِ
وَإِذَا أمْكَنَتْكَ يومًا من الدّهرِ ... فبادِرْ بها صُروفَ الزْمانِ
فقال لي: يا أَبَا الْعَبَّاس اكتُب له يتسبَّب إجارة ضيعته السّاعة.
وأمر الصَّيرفيّ أن يدفع له خمسمائة دينار.
ويُروى أنْ إِسْمَاعِيل بْن بُلْبُل كان جالسًا وعليه دُرّاعة منسوجة بماء الذَّهب لها قيمة، وبين يديه غلام، ومعه دَوَاة. فطلب منه مدّة، فنقط الغلام على الدُّرّاعة من الهدية. فجزع، فقال: يا غلام لا تجزع، فَإِن هَذِهِ إلّا عن ابنِ الهدى. وأنشد يقول:
إذا ما المِسْكُ طَّيب رِيحَ قومٍ ... كفاني ذاك رائحةُ المِدادِ
فَمَا شيءٌ بأحَسَنَ من ثيابٍ ... على حافاتِها حُمَمُ السَّوَادِ
وقَالَ أبو عليّ التَّنُوخيّ: حدَّثني أبو الْحُسَيْن بْن عيّاش: أخبرني من أثق به أنّ إِسْمَاعِيل بْن بُلْبُل لمّا قصده صاعد بْن حزم، وكان له حملٌ قد قارب الوضْع، فقال: