وقد بايع بولاية العهد ولَده المنتصر، ثُمَّ إنّه أراد أن يعزله ويولّي المعتزّ أخاه لمحبّته لأمّه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد، فأبى. وكان يُحضِره مجالس العامّة، ويحطّ منزلته ويتهدّده، ويشتمه ويتوعَّده.
واتّفق أن التُّرْك انحرفوا عن المتوكّل لكونه صادَر وصِيفًا وبُغا، وجرت أمور، فاتّفق الأتراك مع المنتصر على قتل أَبِيهِ. فدخل عليه خمسةٌ فِي جوف اللّيل وهو فِي مجلس لَهْوه فِي خامس شوّال، فقتلوه سنة سبَعٍ وأربعين.
وورد أنّ بعضهم رآه فِي النّومِ، فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي بقليل من السنة أَحْيَيَتُها1.
وقد كان المتوكّل منهمكًا فِي اللَّذّات والشُّرْب، فلعلّه رُحِمَ بالسنة، ولم يصحّ عَنْهُ النَّصْب2.
قال المسعوديّ: ثنا ابن عَرَفَة النَّحْويّ، ثنا المبرّد قال: قال المتوكّل لأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر الصّادق: ما يقول ولدُ أبيك فِي الْعَبَّاس؟ قال: ما تقولُ يا أمير المؤمنين فِي رَجُلٍ فَرَض اللَّه طاعة نبيّه على خلُقه، وافترض طاعته على نبيّه.
وكان قد سُعي بأبي الْحَسَن إلى المتوكًل، وإنّ فِي منزله سلاحًا وكتبًا من أهل قُمّ، ومِن نيّته التَّوَثُّب. فكبس بيته ليلا، فوُجِد فِي بيتٍ عليه مدرّعة صوف، متوجّه إلى ربّه يقوم بآيات. فَأُخِذ كهيئته إلى المتوكل وهو يشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس فقال: ما خامر لحمي ودمي قطّ، فاعفِني منه.
فأعفاه وقال: أنشِدْني شِعْرًا. فأنشده.
باتوا على قُلَل الأجبالَ تحرسهم ... غُلْبُ الرجال ولم تنفعهم الْقُللُ3
الأبيات.
فبكى لله المتوكّل طويلا، وأمَر برفع الشّراب، وقال: يا أَبَا الْحَسَن لقد ليَّنت هنا