فجعل الجلاد يتقدَّم ويضربني سَوْطين ويتنحّى، وهو في خلال ذلك يقول: شُدّ، قطع اللَّه يدك.

قال أبي: فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أُطلقت عنّي.

وقال لي رَجُل ممّن حضر: إنّا كَبَبْناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية ودُسْناك1.

قال أبي: فما شعرت بذلك، وأتوني بسَوِيق فقالوا لي: اشرب وتقيأ.

فقلت: لا أُفْطر.

ثُمَّ جيء بي إلى إسحاق بْن إبراهيم، فحضرت صلاة الظُّهر، فتقدَّم ابن سماعة فصلّى، فلمّا انفتل من الصّلاة قال لي: صلّيتَ والدّم يسيل فِي ثوبك؟! 2.

فقلت: قد صلّى عُمَر وجرحه يَثْعَب دمًا.

قال صالح: ثُمَّ خلي عَنْهُ، فصار إلى منزله. وكان مَكْثه فِي السّجن منذ أُخِذ وحُمِل إلى ضُرِب وخُلّي عَنْهُ ثمانية وعشرين شهرًا. ولقد أخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه قال: يابن أخي، رحمة اللَّه على أَبِي عبد الله، والله ما رَأَيْت أحدا يُشْبهه. ولقد جعلت أقول له فِي وقت ما يوجّه إلينا بالطّعام: يا أَبَا عبد الله، أنت صائم وأنت فِي موضع تقيّة3.

ولقد عطش، فقال لصاحب الشراب: ناولني. فناوله قدحًا فِيهِ ماء وثلج، فأخذه ونظر إليه هُنيّة ثُمَّ رده ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش وهو فيما هُوَ فِيهِ من الهَول4.

قال صالح: كنتُ ألتمس وأحتال أن أُوصِل إليه طعامًا أو رغيفًا فِي تلك الأيام، فلم أقدر. وأخبرني رَجُلٌ حضره أنّه تفقّده فِي هذه الأيام الثّلاثة وهم يناظرونه، فما لَحَن فِي كلمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015