حتّى توهَّمتُ نَوشروانَ لِي خَوَلا

وخِلْتُ أنّ نديمي عاشِرُ الْخُلَفا

قَالَ: فلم أزل بِهِ حتّى نوَّمتُه وخرجتُ، فقيل لي: إنّما قُلْنَا تَنْهَهُ. قلتُ: دعه ينام، فإنّي إن نهيته تجرَّمنا عشرة آلاف كبيرة. وقيل إنّ ديك الْجِنّ كَانَ لَهُ غُلام وجارية مليحان، وكان يهواهما. فدخل عليهما يومًا فرآهما فِي لُحافٍ معتنِقَيْن، فشدّ عليهما فقتلهما ثُمَّ سُقِطَ من يده، وجلس عِنْدَ الجارية يبكي ويقول:

ياطلعة طلع الحِمَامُ عليها ... وجَنَى لَها ثَمَرَ الرَّدَى بيديها

روَّيتُ من دمها الثَّرى ولطالَما ... روّى الهوى شفتي من شفتيها

فوحق عينيها ما وطِئَ الثَّرَى ... شيءٌ أعزُّ عليّ من عينيها

ما كَانَ قَتْلِيها لأنّي لَم أَكُن ... أبْكِي إذا سفك العيار عليها

لكن نَحَلت عَلَى سواي بِحُسْنها ... وأنفت من نظر الغُلام إليها

ثُمَّ جلس عِنْدَ الغلام وقال:

قمرٌ أَنَا استخرجته من خِدْرِه ... بمودّتي وجزيته من غدره

فقتلته وله عليّ كرامةٌ ... ملء الحشا وله الفؤاد بأسره

عهدي بِهِ ميتًا كأحسن نائمٍ ... والدَّمعُ يَنْحَرُ مُقْلتي فِي نَحْرِه

لو كَانَ يدري الميْتُ ماذا بعدَه ... بالحيّ منه بَكَى لَهُ فِي قَبره

غُصَصٌ تكادُ تفيضُ منها نفسُهُ ... ويكادُ يخرُجُ قلبُهُ من صدرِه

قَالَ سَعِيد بْن زيد الحمصيّ: دخلتُ عَلَى ديك الْجِنّ، وكنتُ اختلفتُ إِلَيْهِ لَمّا كتب شِعره، فرأيته وقد شابت لحيته وحاجباهُ وشعر زَنْدَيه. وكانت عيناهُ خضراوين، ولذلك سُمِّي ديك الْجِنّ، وقد صبغ لحيته بالزِّنْجَار، وعليه ثياب خُضْر. وكان جيّد الغناء بالطَّنْبُور، وفي يديه آلة الشُّرْب وهو يُغنّي. تُوُفيّ سنة خمسٍ أو ست وثلاثين ومائتين.

249- عَبْد السلام بْن سَعِيد بن حبيب1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015