54- إسحاق بْن إبراهيم بْن ميمون1 أبو محمد التّميميّ المَوْصِليّ النّديم صاحب الغناء. كان إليه الْمُنْتَهَى في معرفة الموسيقى، وله أدبٌ وافرٌ، وشعرٌ رائقٌ جزْل. وكان عالمًا بالأخبار وأيّام الناس، وغير ذلك من الفقه والحديث واللّغة، وفنون العلم. سمع من: مالك، وهُشَيْم، وسُفْيان بْن عُيَيْنَة، وبقيّة، وأبي معاوية، والأصمعيّ، وجماعة. وعنه: ابنه حماد الرواية، والأصمعيّ شيخه، والزُّبَيْر بْن بكّار، وأبو العَيْناء، وميمون بْن هارون، ويزيد بْن محمد المهلّبيّ، وآخرون. ولد سنة خمسين ومائة أو بعدها قال إبراهيم الحربيّ: كان ثقة عالِمًا. وقال الخطيب: كان حلو النادرة، حسن المعرفة، جيد الشعر، مذكور بالسخاء. له كتاب الأغاني الذي رواه عنه ابنه حمّاد. وعن إسحاق الْمَوْصِليّ قال: بقيتُ دهرًا من عُمْرِي أُغَلِّسُ كلَّ يومٍ إلى هُشَيْم، أو غيره من المحدِّثين، ثُمَّ أصير إلى الكِسَائيّ، أو الفَرّاء، أو ابن غَزالة فأقرأ عليه جُزْءًا من القرآن، ثُمَّ إلى أبي منصور زَلْزَل فيضاربني طريقتين أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة بن شهدة، فأخذ منها صوتًا أو صوتين، ثُمَّ آتي الأصمعيَّ وأبا عُبَيْدَةَ فأناشِدُهما وأستفيد منهما. فإذا كان العشاء، رحلت إلى أمير المؤمنين الرشيد. وكان ابن الأعرابي يصفُ إسحاق النّديم بالعِلْم وَالصِّدْقِ وَالْحِفْظِ ويقول: أسمعتم بأحسن من ابتدائه:

هل إلى أن تنام عيني سبيلُ؟ ... إنّ عهدي بالنّوم عهدٌ طويلُ

وقال إسحاق: لَمّا خرجنا مع الرشيد إلى الرَّقَّةِ قال لي الأصمعيّ: كم حملت معك من كتبك؟

قال: ستة عشر صُنْدُوقًا، فكم حملت أنت؟ قال: معي صُنْدُوق واحد. وقال: رأيتُ كأن جريرًا ناولني كُبَّةً من شَعر، فأدخلتها في فمي، فقال العابر: هذا رجلٌ يقول من الشعر ما شاء. وقيل إن إسحاق النّديم كان يكرهُ أن يُنسب إلى الغناء ويقول: لأن أُضْرَبَ على رأسي بالمقارع، أحبُّ إليّ من أن يُقالَ عَنِّي مُغَنِّي. وقال المأمون: لولا شُهْرَته بالغناء لولَّيتُه القضاء. وقيل كان لإسحاق المَوْصِليّ غُلامٌ اسمه فتح يستقي الماء لأهل داره دائمًا على بَغْلٍ، فقال يومًا: ما في هذا البيت أشقى مني ومنك، أنت تُطعمهم الخُبز، وأنا أسقيهم الماء. فضحك إسحاق وأعتقه، ووهبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015