دخل عليه غلامٌ أمرد، فسلَّم، فقال الرشيد: لا سلّم الله على الآخَر، أفسدتَ علينا الجبل، يا غُلام.

قال: فأنا أصلحه يا أمير المؤمنين. ثمّ جاوزه إلى أن قال: أفسدتُه يا أمير المؤمنين وأنت عليّ، أَفَأَعْجزُ عن صلاحه وأنت معي؟ فخلع عليه وولّاه الجبل. فلمّا خرج قلت: من هذا؟ قالوا: أبو دُلَف. فلمّا ولّي قال الرشيد: أرى غلامًا يرمي مِن وراء همّةٍ بعيدة.

وقد كان أبو دُلَف فصيحًا حَسَن الجواب. قال له المأمون يومًا وهو مقطّب: أأنت الذي يقول فيك الشّاعر:

إنّما الدُّنيا أبو دلفٍ ... بين مغراه ومُحْتَضَرِهْ

فإذا ولّي أبو دلفٍ ... ولَّتِ الدُّنيا على أثره

فقال: يا أمير المؤمنين شهادو زُور، وقول غَرُور، ومَلقِ مُعْتَفْ، وطالب عُرْف. وأصدق منه ابن أختٍ لي حيث يقول:

دعيني أجوبُ الأرض ألتمِسِ الْغِنى ... فما الكَرَجُ الدُّنيا ولا النّاس قاسمُ

فتبسم المأمون.

ومن شعره:

أيُّها الراقد المؤرّق1 عيني ... نَمْ هَنيئًا لك الرّقادُ اللّذيذُ

علِم الله أنّ قلبي ممّا قد ... جنت مُقْلتاكَ فيه وَقِيذُ

وقال ثعلب: ثنا ابن الأعرابيّ، عن الأصْمَعيّ قال: كنت واقفًا بين يدي المأمون، إذ دخل عليه أبو دُلَف العِجْليّ، فنظر إليه المأمون شزرًا2.

فقال: أنت الذي يقول فيك عليّ بن جَبَلَة:

لهُ راحةٌ لو أنّ مِعْشار عُشْرِها ... على البَرِّ كان البَرُّ أندى من البحرِ

له هممٌ لا منْتَهَى لكِبارها ... وهمَّتُه الصُّغْرَى أجلُّ من الدهر

ولو أنّ خلق في مَسْكِ فارسٍ ... وبارزه كان الخلي من العمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015