ثم حَدَّث بنحوٍ من ثلاثين حديثًا ثم نَزَل فقال لي: كيف رأيت يا يحيى مجلسنا.
قلت: أجلّ مجلس، تفقّه الخاصّة والعامّة.
فقال: ما رأيتُ لكم حلاوة. إنّما المجلس لأصحاب الخُلْقان والمَحَابر.
وقال السّرّاج: ثنا محمد بن سهل بن عسكر قال: تقدّم رجل غريب، بيده محبرة إلى المأمون فقال: يا أمير المؤمنين صاحب حديث منقطع به.
فقال: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئًا.
قال: فما زال المأمون يقول: ثنا هُشَيْم، وثنا يحيى، وثنا حَجّاج، حتّى ذكر الباب.
ثم سأله عن باب آخر، فلم يذكر فيه شيئًا.
فقال المأمون: ثنا فلان، وثنا فلان، إلى أن قال لأصحابه: يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيامٍ ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث، أعطوه ثلاثة دراهم.
ومع هذا فكان المأمون مسرفًا في الكَرَم، جوادًا مُمَدَّحًا.
جاء عنه أنّه فرّق في ساعة واحدة ستَّةً وعشرين ألف ألف درهم.
وكان يشرب النّبيذ. وقيل: بل كان يشرب الخمر، فيُحرَّر ذلك.
وقيل: إنّه أجاز أَعْرابيًا مرّةً لكونه مدحه بثلاثين ألف دينار.
وأما ذكاؤه فمُتَوَقِّد. روى مسروق بن عبد الرحمن الكندي: حدثني محمد بن المنذرالكندي جار عبد الله بن إدريس قال: حجّ الرشيد، فدخل الكوفة وطلب المُحدِّثين. فلم يتخلّف إلّا عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، فبعث إليهما الأمين والمأمون. فحدَّثهما ابن إدريس بمائة حديث، فقال المأمون: يا عمّ، أتأذن أن أُعيدها من حفظي؟ قال: افعل. فأعادها، فَعَجِب من حفظه.
ومضيا إلى عيسى فحدّثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها وقال: ولا شُربة ماء عَلَى حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى محمد بن عَون، عن ابن عُيَيْنَة أنّ المأمون جلس فجاءته امرأة وقالت: يا أمير المؤمنين مات أخي وخلّف ستّمائة دينار، فأعطوني دينارًا، وقالوا: هذا نصيبك.