وقيل: إنّما عُرف بالكِسائيّ لأنّه أيّام قراءته على حمزة كان يلْتَفّ في كساء، فلقَّبه أصحاب حمزة بالكِسائيّ.
أبو العبّاس بن مسروق: نا سَلَمة بن عاصم قال: قال الكِسائيّ: صلَّيْتُ بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي فغلطت في آيةٍ ما أخطأ فيها صبيٌّ قط، أردت أن أقول: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، فقلت: "يرجعين"، فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكنّه لما سلّم قال: أيُّ لغةٍ هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثُرُ الجواد. قال: أمّا هذه فنعم.
وعن سَلَمة: سمعتُ الفرّاء: سمعتُ الكِسائيّ يقول: ربّما سبقني لساني باللَّحْن فلا يمكنني أن أرد لساني.
وذكر ابن الدَّوْرَقيّ قال: اجتمع الكِسائيّ واليزيديّ عند الرشيد، فحضرت العشاء فقدّموا الكِسائيّ، فارتج عليه قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فقال اليزيدي: قراءة هذه السورة ترتجّ على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت صلاة فقدموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد؛ فلمّا سلم، قال:
احْفَظْ لسانك لا يقول فتُبْلَى
إنّ البلاء مُوكل بالمنطِق1
وعن خَلَف قال: كان الكِسائيّ يقرأ لنا على المنبر، فقرأ يومًا: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} [الكهف: 34] . فسألوه عن العِلَّة، فثُرْت في وُجوههم، فَمَحَوْه من كُتُبهم، ثمّ قال لي: يا خَلَف، يكون أحدٌ من بعدي يَسْلَم من اللَّحْن.
قال الفرّاء: ناظرت الكِسائيّ يومًا وزدت، فكأنيّ كنت طائرًا يشرب من بحر.
وعن الفرّاء قال: إنما تعلّم الكِسائيّ النَّحْو على كِبَر، لأنّه جاء إلى قوم وقد أعيا، فقال: قد عَيَّيْتُ. فقالوا له: تُجالِسُنا وأنت تَلْحن؟ قال: وكيف؟ قالوا: إنّ أردت من التعب فقل أعَيَّيْتُ، وإنّ انقطعت الحيلةُ في الأمر فقل عَيِيت.
فأنِفَ من هذا وقام وسأل عمَّن يعلّم النَّحْو، فأُرشِد إلى مُعاذ الهرّاء، فلزِمَه حتّى أنفد ما عنده، ثمّ خرج إلى الخليل.
قلت: وقد كان للكِسائيّ عند الرشيد منزلة رفيعة، وسار معه إلى الرَّيّ، فمرض ومات بقرية رَنْبَوَيْه، فلمّا اعتل تمثّل وقال.