واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السَّبْع، وتعلّم النَّحْوَ على كِبَر سنّه، وخرج إلى البصْرة، وجالّس الخليلَ فقال له: من أين أخذت؟ قال: ببَوَادي الحجاز، ونجْد، وتِهامَة.

فخرج الكسائيّ إلى أرض الحجاز، وغاب مدةً، ثمّ قدم وقد أنفذَ خمسَ عشرةَ قَنّينة حِبْر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ في قلبه. ورجع والخليل قد مات، وجلس يونس بعده، فمرّت بين الكسائيّ وبين يونس مسائل أقرّ له فيها يونس.

قال عبد الرحيم بن موسى: سألته لِم سُمِّيت الكِسائيّ؟ قال: لأنّي أحْرَمْتُ في كِساء.

وقال الشّافعيّ: من أراد أن يتبحر في النَّحْو فهو عَيَّالٌ على الكِسائي.

قال أبو بكر بن الأنباريّ: اجتمع في الكِسائيّ أمورٌ: كان أعلم النّاس بالنَّحْو، وواحَدَهم في الغريب. وكان أوحد النّاس في القرآن، وكانوا يكثرون عليه حتّى لا يضبط عليهم، فكان يجمعهم ويجلس على كرسيّ ويتلو القرآن من أوّله إلى آخره وهم يسمعون، ويضبطون عنه حتّى المقاطع والمبادئ.

قال إسحاق بن إبراهيم: سمعتُ الكِسائيّ يقرأ القرآن على النّاس مرتين.

وعن خَلَف بن هشام قال: كنت أحضر بين يدي الكِسائيّ وهو يقرأ على النّاس، وينقّطون مَصَاحفَهم على قراءته.

قلت: وتلا على الكِسائيّ أبو عَمْر الدُّوريّ، وأبو الحارث اللَّيث بْن خالد، ونصير بن يوسف الرّازيّ، وقُتَيْبة بن مهران الأصبهانيّ، وأبو جعفر أحمد بن أبي سريج، وأحمد بن جبير الأنطاكيّ، وأبو حمدون الطّيّب بن إسماعيل، وأبو موسى عيسى بن سليمان الشيزري.

وروى عَنْهُ: أبو عُبَيْد القاسم بْن سلّام، ويحيى الفرّاء، وخَلَف البزار، وعدة.

قال خَلَف: أولَمْتُ وليمةً فدعوت الكِسائيّ واليَزِيديّ، فقال اليَزِيديّ: يا أبا الحَسَن، أمورٌ تبلُغُنا عنك ننكر بعضها. فقال الكسائي: أومثلي يخاطَبُ بهذا؟ وهل مع العالم إلا فَضْلُ بُصاقي في العربية. ثمّ بَصَق، فسكت اليَزِيديّ.

وللكِسائيّ كُتُب مصنَّفة، منها: كتاب معاني القرآن، ومختصر في النَّحْو، وكتاب في القراءات، وكتاب النوادر الكبير، وتصانيف أُخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015