قُلْتُ: هَذَا الْخَبَرُ مِنْطَبِقٌ عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِأَنَّهُ عَالِمُ زَمَانِهِ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي وَقْتِهِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي وَقْتِهِ.
وروى الطبري في تاريخه بإسناد بعض أولاد عبد الله بن عبد العزيز العُمريّ، أنّ الرشيد قال: والله ما أدري ما آمُرُ في هذا العُمريّ، أكرهُ أن أقدمَ عليه وله سَلَفٌ أكرمهم، وإنّي أحب أن أعرف رأيه؛ يعني فينا.
فقال عَمْر بن بزيع، والفضل بن الربيع: نحن له. فخرجنا من العَرْج إلى موضعٍ يُقال له: خلص، حتى ورد عليه بالبادية في مسجدٍ له، فأناخا راحلتيهما بمن معهما، وأتياه على زِيّ الملوك في حشمة، فجلسا إليه وقالا: يا أبا عبد الرحمن نحن رسل من وراءنا من أهل المشرق يقولون لك: اتق الله، وإنْ شئت فانهض.
فقال: وَيْحكما، فيمن ولمن؟ قالا: أنت! قال: والله ما أحبّ أنّي لقيت الله عزّ وجلّ بمحجمة دمِ مسلم، وأنّ لي ما طَلَعَتْ عليه الشمس.
فلمّا آيسا منه قالا: إن معنا عشرين ألفًا تستعين بها.
قال: لا حاجه لي بها.
قالا: أعطِها مَن رأيت.
قال: أعطياها أنتما.
فلما آيسا منه ذَهَبَا ولحِقا بالرشيد، فقال: ما أبالي ما أصنعُ بعد هذا.
قال: فحجّ العُمريّ في تلك السّنة، فبينما هو في المسعى اشترى شيئًا، فإذا بالرشيد يسعى على دابّته، فتعرّض له العُمريّ واتاه حتّى أخذ بلجام الدّابّة، فأهْوَوْا إليه، فكفّهم الرشيد، وكلّمه، يعني وعظه، فرأيت دموع الرشيد تسيل على مَعْرفة دابّته، ثمّ انصرف1.
وروى عليّ بن حرب الطّائيّ، عن أبيه قال: مضى هارون الرشيد على حمار ومعه غلام إلى العُمريّ فوعظه، فبكى الرشيد وحُمِلَ مَغْشِيًّا عليه.
قال إسماعيل بن أبي أُوَيْس: كتب عبد الله العُمريّ إلى مالك، وابن أبي ذئب، وغيرهما بكُتُب أغلَظَ لهم فيها، وقال: أنتم علماء تميلون إلى الدنيا وتلبسون،