سَعْدٍ الْعِجْلِيُّ رَاجِعًا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، نَعَمْ، وَبَقِيَ إِبْرَاهِيمُ سَائِرَ شَهْرِ رَمَضَانَ يُنْفِذُ عُمَّالَهُ إِلَى الْبِلادِ، حَتَّى أَتَاهُ نَعْيُ1 أَخِيهِ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ، قَبْلَ الْعِيدِ بِثَلاثٍ، فَفُتَّ فِي عَضُدِهِ وبُهِتَ لِذَلِكَ، وَخَرَجَ يَوْمَ العيد إلى الْمُصَلَّى فَصَلَّى بِالنَّاسِ، يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَالانْكِسَارُ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ لَمَّا بَلَغَهُ خُرُوجُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، مَا فِي عَسْكَرِي إِلا أَلْفَا رَجُلٍ! فَرَّقْتُ عَسَاكِرِي، مَعَ ابْنِي بِالرَّيِّ ثَلاثُونَ أَلْفًا، وَمَعَ مُحَمَّدِ بْنِ أَشْعَثَ بِأَفْرِيقِيَّةَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَمَعَ عِيسَى بْنِ مُوسَى بِالْحِجَازِ سِتَّةُ آلافٍ، وَلَئِنْ سَلِمْتُ مِنْ هَذِهِ لا يُفَارِقُنِي ثَلاثُونَ أَلْفَ فَارِسٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ عِيسَى مِنَ الْحِجَازِ مَنْصُورًا، فَوَجَّهَهُ عَلَى النَّاسِ لِحَرْبِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَتَبَ إِلَى سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فَقَدِمَ إِلَيْهِ مِنَ الرَّيِّ.

قَالَ سَلْمٌ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ قَالَ لِي: خَرَجَ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ، فَاعْمِدْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَلا يُرْعِبُكَ جَمْعُهُ فَوَاللَّهِ إِنَّهُمَا جَمَلا بَنِي هَاشِمٍ الْمَقْتُولانِ فَابْسُطْ يَدَكَ وَثِقْ2.

وَكَتَبَ سَلْمٌ إِلَى الْبَصْرَةِ يُلاطِفُهُمْ فَلَحِقَتْ بِهِ بَاهِلَةُ، فَاسْتَحَثَّ الْمَنْصُورُ ابْنَهُ لِيُجَهِّزَ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ إِلَى الأَهْوَازِ، فَسَارَ بِأَرْبَعَةِ آلافِ فَارِسٍ، فَفَرَّ مِنْهُ الْمُغِيرَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَدَخَلَ خَازِمٌ الأَهْوَازَ فَأَبَاحَهَا ثَلاثًا، لِكَوْنِهِمْ نَزَعُوا الطَّاعَةَ، وكث الْمَنْصُورُ لا يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ ليلة.

قال حجاج بن قتيبة بن مسلم: دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ تِلْكَ الأَيَّامِ وَقَدْ جَاءَهُ فَتْقُ الْبَصْرَةِ وَفَارِسَ وَوَاسِطَ وَالْمَدَائِنِ وَهُوَ مُطْرِقٌ يَتَمَثَّلُ:

وَنَصَّبْتُ نَفْسِي لِلرَّمَاحِ دَرِيَّةً

إِنَّ الرَّئِيسَ لِمِثْلِ ذَاكَ فَعُولُ

وَمَا أَظُنُّهُ يَقْدِرُ عَلَى السِّلاحِ، لِلْفُتُوقِ الْمُحِيطَةِ بِهِ، وَلِمِائَةِ أَلْفِ سَيْفٍ كَامِنَةٍ يَنْتَظِرُونَ صَيْحَةً فَيَثِبُونَ، فَوَجَدْتُهُ صَقْرًا أَحْوَذِيًّا3 مُشَمِّرًا، قَدْ قَامَ إِلَى مَا نَزَلَ بِهِ من النوائب يمرسها ويعركها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015