الأَسَدِيُّ يُبَايِعُ لِإِبْرَاهِيمَ بِالْكَوْفَةِ سِرًّا. وَقَتَلَ الْمَنْصُورُ جَمَاعَةً كَثِيرَةً عَسْفًا وَظُلْمًا. وَكَانَ بِالْمَوْصِلِ أَلْفَا فَارِسٍ لِمَكَانِ الْخَوَارِجِ، فَطَلَبَهُمُ الْمَنْصُورُ، فَلَمَّا كَانُوا بَبَاخَمْرًا اعْتَرَضَ أَهْلُهَا الْعَسْكَرَ، وَقَالُوا: لا نَدَعُكُمْ تُجَاوِزُونَا لِتَنْصُرُوا أَبَا جَعْفَرٍ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَاتِلُوهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةٍ1.
وَأَمَّا أَمِيرُ الْبَصْرَةِ سُفْيَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَتَهَاوَنَ فِي أَمْرِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى عَجَزَ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ، فَبَقِيَ كُلَّمَا قِيلَ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ خَارِجٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ, فَلَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُنَادُونَ سُفْيَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ: اذْكُرْ بَيْعَتَكَ فِي دَارِ الْمَخْزُومِيِّينَ، فَيُقَالُ: كَانَ مُدَاهِنًا لِإِبْرَاهِيمَ مِمَّا فِي قَلْبِهِ عَلَى الْمَنْصُورِ.
وَكَانَ ظُهُورُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ فِي اللَّيْلِ، فَصَارَ إِلَى مَقْبَرَةِ بَنِي يَشْكُرَ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ فَارِسًا، وَقَدِمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَبُو حَمَّادٍ الأَثْرَمُ فِي أَلْفَيْنِ، فَنَزَلَ الرَّحْبَةَ، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ شَيْءٍ أَصَابَ دَوَابَّ أُولَئِكَ الْعَسْكَرِ وَأَسْلِحَتَهُمْ، فَتَقَوَّى بِهَا، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فِي الْجَامِعِ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ سُفْيَانُ فِي دَارِ الإِمَارَةِ، وَأَقْبَلَ الْخَلْقُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَيْنِ نَاصِرٍ وَنَاظِرٍ: ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بِالأَمَانِ، وَدَخَلَ إِبْرَاهِيمُ الدَّارَ، وَعَفَا عَنِ الْجُنْدِ، وَقَيَّدَ سُفْيَانَ بِقَيْدٍ خَفِيفٍ، فَأَقْبَلَ لِحَرْبِهِ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، فِي سِتِّمِائَةٍ، فَنَدَبَ إِبْرَاهِيمُ مَضَّاءَ بْنَ جَعْفَرٍ فِي خَمْسِينَ مِنْ بَيْنِ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، فَهَزَمَهُمْ مَضَّاءٌ، وَجُرِحَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَجَدَ إِبْرَاهِيمُ فِي بَيْتِ الْمَالِ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَفَرَّقَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ، وَجَهَّزَ الْمُغِيرَةَ فِي خَمْسِينَ مُقَاتِلا إِلَى الأَهْوَازِ، فَقَدَّمَهَا وَقَدْ صَارَ مَعَهُ نَحْوُ الْمِائَتَيْنِ. وَكَانَ عَلَى الأَهْوَازِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، فَالْتَقَى الْمُغِيرَةَ فَانْكَسَرَ ابْنُ الْحُصَيْنِ، وَغَلَبَ الْمُغِيرَةُ عَلَى الأَهْوَازِ. ثُمَّ أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ الْمَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَبَعَثَ إِلَى فَارِسٍ عَمْرَو بْنَ شَدَّادٍ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْ رَامَهُرْمُزَ يَعْقُوبُ بْنُ الْفَضْلِ، فَاتَّفَقَا وَغَلَبَا عَلَى إِقْلِيمِ فَارِسٍ، فَلَوْ تَوَجَّهَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى إِقْلِيمِ فَارِسٍ لَتَمَّ لَهُ الأَمْرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى وَاسِطٍ هَارُونَ بْنَ سَعْدٍ الْعِجْلِيَّ عِنْدَمَا قَدِمَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُوفَةِ فَسَارَ إِلَى وَاسِطٍ، فَجَهَّزَ الْمَنْصُورُ لِحَرْبِهِ عامر بن إسماعيل المسلمي فِي خَمْسَةِ آلافٍ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا حَرْبٌ وَوَقْعَاتٌ2. وَقَدْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ وَاسِطَ وَالْبَصْرَةِ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ تَوَادَعَ الْفَرِيقَانِ وَكَلُّوا، فَلَمَّا قُتِلَ إِبْرَاهِيمُ كَمَا سَيَأْتِي، سَارَ هارون بن