أتبرك بِهَا، فَقَامَ فَنَزَعَ ثِيَابَهُ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْكُمَيْتَ جَادَ فِي آلِ رَسُولِكَ وَذُرِّيَةِ نَبِيِّكَ بِنَفْسِهِ حِينَ ضَنَّ النَّاسُ وَأَظْهَرَ مَا كَتَمَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْحَقِّ فَأَمِتْهُ شَهِيدًا وَأَحْيهِ سَعِيدًا وَأَرِهِ الْجَزَاءَ عَاجِلا وَأَجْرِ لَهُ جَزِيلَ الْمَثُوبَةِ آجِلا فَإِنَّا قَدْ عَجَزْنَا عَنْ مُكَافَأَتِهِ.
قَالَ الْكُمَيْتُ: مَا زِلْتُ أَعْرِفُ بَرَكَةَ دُعَائِهِ1.
وَرُوِيَ أَنَّ الْكُمَيْتَ أَتَى بَابَ مَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ فَصَادَفَ عَلَى بَابِهِ أَرْبَعِينَ شَاعِرًا فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ لَهُ الأَمِيرُ: كَمْ رَأَيْتَ عَلَى الْبَابِ شَاعِرًا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ. قَالَ: فَأَنْتَ جَالِبُ التَّمْرِ إِلَى هَجْرٍ، قَالَ: إِنَّهُمْ جَلَبُوا دَقَلا2 وَجَلَبْتَ أَزَاذًا3. قَالَ: فَهَاتِ، فَأَنْشَدَهُ:
هَلا سَأَلْتَ مَنَازِلا بِالأَبْرَقِ ... دُرِسَتْ وَكَيْفَ سُؤَالُ مَنْ لَمْ يَنْطِقْ؟
لَعِبَتْ بِهَا رَيْحانُ رَيحِ عُجَاجَةٍ ... بِالسَّافِيَاتِ مِنَ التُّرَابِ الْمُعَبَّقْ
وَالْهَيَفُ رَائِحَةٌ لَهَا بِنَتَاجِهَا ... طِفْلُ الْعَشِيِّ بِذِي حناتم سُرِقْ
"الْهَيَفُ رِيحٌ حَارَّةٌ. وَالْحَنَاتِمُ: جَرَّارٌ، شَبَّهَ الْغَنَمَ بِهَا".
غَيَّرْنَ عَهْدَكَ بِالدِّيَارِ وَمَنْ يَكُنْ ... رَهْنَ الْحَوَادِثِ مِنْ جَدِيدٍ يُخْلَقِ
دَارُ الَّتِي تَرَكَتْكَ غَيْرُ مَلُومَةٍ ... دَنِفًا فَأَرْعِ بِهَا عَلَيْكَ وَأَشْفِقِ
قَدْ كُنْتَ قَبْلُ تَنُوءُ مِنْ هُجْرَانِهَا ... فَالْيَوْمَ إِذْ شَطَّ الْمَزَارُ بِهَا ثِقِ
وَالْحُبُّ فِيهِ حَلاوَةٌ وَمَرَارَةٌ ... سِائِلْ بِذَلِكَ مَنْ تَطَعَّمَ أَوْ ذُقِ
مَا ذَاقَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ وَنَعِيمَهَا ... فِيمَا مَضَى أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْشَقِ
فَلَمَّا بَلَغَ:
بَشَّرْتُ نَفْسِي إِذْ رَأَيْتُكَ بِالْغِنَى ... وَوَثِقْتُ حِينَ سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِي ثِقِ
فَأَمَرَ بِالْخُلَعِ فأفيضت عليه حتى استغاث من كثرتها.