فَمَرَّتْ بِهِ قُنْبُرَةٌ فَأَنْشَدَ مُتَمَثِّلا:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبُرَةٍ بِمَعْمَرٍ فَقَالَ عَمُّهُ وَرَحِمَهُ: قَدْ قُلْتَ شِعْرًا، فَقَالَ هُوَ: لا أَخْرُجُ أَوْ أَقُولُ لِنَفْسِي، فَمَا رَامَ حَتَّى قَالَ قَصِيدَتُهُ الْمَشْهُورَة، ثُمَّ غَدَا عَلَى عَمِّهِ فَقَالَ: اجْمَعْ لِيَ الْعَشِيرَةَ لِيَسْمَعُوا، فَجَمَعَهُمْ لَهُ فَأَنْشَدَ:
طَرِبْتُ وَمَا شَوْقًا إِلَى الْبِيضِ أَطْرَبُ ... وَلا لَعِبًا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ
وَلَمْ تُلْهِنِي دَارٌ وَلا رَسْمُ مَنْزِلٍ ... وَلَمْ يَتَطَرَّبُنِي بَنَانٌ1 مُخَضَّبُ2
وَلا أَنَا مِمَّنْ يَزْجُرُ الطَّيْرُ هَمَّهُ ... أَصَاحَ غُرَابٌ أَمْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ
وَلا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً ... أَمَرَّ سَلِيمُ الْقَرْنِ أمْ مَرَّ أَعْضَبُ
فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: فَأَيُّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ:
وَلَكِنْ إِلَى أَهْلِ الْفَضَائِلِ وَالنُّهَى ... وَخَيْرِ بَنِي حَوَّاءَ وَالْخَيْرُ يُطْلَبُ
إِلَى النَّفَرِ الْبِيضِ الَّذِينَ بِحُبِّهِمْ ... إِلَى اللَّهِ فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهْطِ الرَّسُولِ فَإِنَّنِي ... لَهُمْ وَبِهِمْ أَرْضَى مِرَارًا وَأَغْضَبُ
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَكْفَرَتْنِي بِحُبِّهِمْ ... وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: مُسِيءٌ وَمُذْنِبُ
قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ ابْنِ شَبْرُمَةَ: قُلْتُ لِلْكُمَيْتِ: إِنَّكَ قُلْتَ فِي بَنِي هَاشِمٍ فَأَحْسَنْتَ وَقَدْ قُلْتَ فِي بَنِي أُمَّيَةَ أَفْضَلَ مِمَّا قُلْتَ فِي بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: إِنِّي إِذَا قُلْتُ أَحْبَبَتُ أَنْ أُحْسِنَ.
وَكَانَ الْكُمَيْتُ شِيعِيًّا.
قِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا مَدَحَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: إِنِّي قَدْ مَدَحْتُكَ بِمَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ قَصِيدَةً لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ: ثَوَابُكَ نَعْجَزُ عَنْهُ وَلَكِنْ مَا عَجَزْنَا عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَعْجَزَ عَنْ مُكَافَأَتِكَ، وَقَسَّطَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ هَذِهِ يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِّ، فَقَالَ: لَوْ وَصَلْتَنِي بِدَانِقَ لَكَانَ شَرَفًا وَلَكِنْ إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُحْسِنَ إِلَيَّ فَادْفَعْ لِي بَعْضَ ثيابك التي تلي جسدك