فقال: قُم معي. فقمت معه، فأجلسني في مركزه، وثمَّ سراجٌ جيّد، وأخذ يطوف ويرجع إلى عندي، واغتنمت أَنَا السَّرَّاج، فأخرجت الأجزاء، وقعدت أكتب إلى وقت السَّحَر، فأخرج إليَّ شيئًا مِن المأكول، فقلت: لم تجر لي عادة السُّحُور.
وأقمتُ بعد هذا بالإسكندرية ثلاثة أيّام، أصوم النّهار، وأبيت عنده، واعتذر إليه وقت السَّحَر، ولا يعلم إلى أن سهَّل الله بعد ذَلِكَ وفتح.
وقال: أقمت بِتّنيس مدّةً عَلَى أبي محمد بْن الحدّاد ونُظَرائه، فضاق بي، ولم يبق معي غير درهم، وكنت في ذَلِكَ أحتاج إلى خبز، وأحتاج إلى كاغَذ، فكنت أتردّد إنْ صرفته في الخبر لم يكن لي كاغذ، وإنْ صرفتُهُ في الكاغَذْ لم يكن لي خبز، ومضى على هذا ثلاثة أيّام ولياليهنّ لم أُطْعَم فيها، فلمّا كَانَ بُكْرَةَ اليوم الرابع قلت في نفسي: لو كَانَ لي اليوم كاغَذ لم يمكن أن أكتب فيه شيئًا لما بيَ مِن الْجُوع، فجعلت الدّرهم في فمي، وخرجتُ لأشتري الخبز، فبَلَعْتُه، ووقع عليّ الضَّحك، فلِقيني أبو طاهر بْن حُطَامة الصّائغ، المواقيتيّ بها وأنا أضحك، فقال لي: ما أضحكك؟
فقلت: خير.
فألحَّ علي وأبيت، فحلف بالطّلاق لَتَصْدُقَنّي لم تضحكْ؟ فأخبرته. وأخذ بيدي، وأدخلني منزله، وتكلَّف لي ذَلِكَ اليوم أطعمة، فلمّا كَانَ وقت صلاة الظُّهر خرجت أَنَا وهو إلى الصّلاة، فاجتمع بِهِ بعض وكلاء عامل تِنّيس، فسأله عنّي، فقال: هُوَ هذا. فقال: إنّ صاحبي منذ شهر أمرني أن أوصل إِليْهِ في كلّ يوم عشرة دراهم، قيمتها ربع دينار، وسهوت عنه.
قال: فأخذ منه ثلاثمائة درهم، وجاءني وقال: قد سهّل الله رزقًا لم يكن في الحساب. وأخبرني بالقصّة، فقلت: تكون عندك، ونكون عَلَى ما نَحْنُ من الاجتماع إلى وقت الخروج، فإنني وحدي. ففعل. وكان بعد ذَلِكَ يصِلُني ذَلِكَ القدر، إلى أن خرجت مِن البلد إلى الشّام.
وقال: رحلت مِن طوس إلى إصبهان لأجل حديث أبي زُرْعة الرّازيّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْهُ في "الصّحيح"1، ذاكَرَني بِهِ بعض الرّحّالة باللّيل، فلمّا أصبحت شددت عليَّ، وخرجت إلى إصبهان، فلم أحلُلْ عنّي حتّى دخلت عَلَى الشَّيْخ أبي