وقال: لمّا قصدت الإسكندرية كَانَ في القافلة مِن رشد إليها رجلٌ مِن أهل الشّام، ولم أدْرِ ما قصْده في ذَلِكَ. فلمّا كانت اللّيلة الّتي كُنَّا في صبيحتها ندخل الإسكندريّة رحلنا باللّيل، وكان شهر رمضان، فمشيت قُدّام القافلة، وأخذتُ في طريق غير الجادّة، فلمّا أصبح الصّبّاح، كنت عَلَى غير الطّريق بين جبال الرّمْل، فرأيتُ شيخًا في مِقْثأة، فسألته عَنِ الطّريق، فقال: تصعد هذا الرمل، وتنظر البحر وتقصده، فإنّ الطريق عَلَى شاطئ البحر. فصعدت الرمل، ووقعت في قصب الأقلام، وكنت كلما وجدت قلمًا مليحًا اقتلعته، إلى أن اجتمع مِن ذَلِكَ حزْمة عظيمة، وحمِيَت الشمس وأنا صائم، وكان الصَّيْف. فتعبت، فأخذت أنتقي الجيّد، وأطرح سواه، إلى أن بقي معي ثلاثة أقلام لم أر مثلها؛ طول كلّ عُقْدة شِبْرين وزيادة: فقلت إنّ الْإنْسَان لَا يموت مِن حمل هذه. ووصلتُ إلى القافلة المغرب، فقام إليَّ ذَلِكَ الرجل وأكرمني. فلمّا كَانَ في بعض اللّيل رحلت القافلة، فقال لي: إنّ في هذه اللّيلة مُكس، ومعي هذه الفضّة، وعليها العُشر، فإنْ قدرت وحملتها معك، لعلّها تَسْلَم، فعلتَ في حقّي جميلًا.

فقلت: أفعل.

قَالَ: فحملتها ووصلت الإسكندرية وسلمت، ودفعتها إِليْهِ فقال: تحبّ أن تكون عندي، فإنّ المساكنة تتعذّر.

فقلت: أفعل.

فلمّا كَانَ المغرب صلّيت، ودخلت عَليْهِ، فوجدته قد أخذ الثّلاثة الأقلام، وشقّ كلّ واحدٍ منها نصفين، وشدّها شدّة واحدة، وجعلها شبه المسرَجَة وأقعد السَّرَّاج عليها. فلحِقَني مِن ذَلِكَ مِن الغمّ شيءٌ لم يمكنيّ أن آكل الطّعام معه، واعتذرت إليه، وخرجت إلى المسجد، فلمّا صلّيت التّراويح، أقمت في المسجد، فجاءني القيّم وقال: لم تجر العادة لأحدٍ أن يبيت في المسجد.

فخرجت وأغلق الباب، وجلست عَلَى باب المسجد، لا أدري إلى أَيْنَ أذهب، فبعد ساعةٍ عبر الحارس، فأبصرني، فقال لي: مِن أنت؟ فقلت: غريب مِن أهل العِلْم، وحكيت لَهُ القصّة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015