شجاعًا، نبيلًا، رئيسًا، تياهًا مُعْجَبًا، فصيحًا، مفوّها، مرسلًا يتقعّر في كلامه، وله هَيْبة وسكون، وكلماته معدودة، وفضائله كثيرة. وللشعر فيه مدائح كثيرة وآخر أمره أنّ الخليفة حبسه في داره بعد أنّ صادره وزير السلطان بركياروق وأخذ في خمسة وعشرين ألف دينار في رمضان. ثم أخرج في دار الخلافة، ميتا في سادس عشر شوال، وحمل إلى بيته، وغسل ودفن بتربة له، فقيل: إنه أهلك في حمام أغلق عليه. وقيل: بل أهلك بأمراض وأوجاع مع شدة الخوف والفَرَق1. وكان قد اشتهر بالوفاء والعفة، وجودة الرأي، ووفور الهيبة، وكمال الرئاسة، لم يكن يعاب بأكثر من التكبر الزائد. فمن الذي كان يفرح بأن ينظر إِلَيْهِ نظرة أو يكلّمه كلمة. قَالَ مرّة لولد الشَّيْخ أَبِي نَصْر بْن الصّبّاغ: اشتغِلْ وتأدَّب، وإلّا كنت صبّاغًا، بغير أب فلمّا خرج من عنده هنَّأه من حضر بأن الوزير خاطبه بهذا، ولمّا تغيّر المستظهر عَلَيْهِ بسعْي صاحب الدّيوان هبة اللَّه بْن المطَّلِب، وناظر الخزانة الحَسَن بْن عَبْد الواحد بْن الحصين، وصاحب ديوان الإنشاء ابن الموصلايا إلى المستظهر وكانوا قد خافوا منه، وخرج المرسوم بحِفْظ باب العامة لأجله، فأمر زوجته بالخروج إلى الحلة، وهيأ لنفسه صدوقًا يدخل فيه، وبكون من جملة صناديق زوجته، فلمّا قعد فيه أسرع الخروج منه وقال: لا يتحدّث النّاس عنّي بمثل هذا. وكان خواصّ الخليفة أيضًا قد ملّوه وسئموه، فأُخِذ وحُبِس. قَالَ ابن الحُصَيْن المذكور: وجدتُ عميد الدّولة قد استحال في محبسه، واشتدّ إشفاقه، جعل يخاطبني ويقول: يا روحي ويا قُرّة عيني، وأنشد لي في عَرْض حديثه ثمّ قَالَ: نازلت الحصون وشهدت الوقائع والحروب فاستهنت بحظّنا، وقد قنطت من النّجاة، ولا أعرفها إلّا منك. وأريد المُقام في مُقامٍ آمر فيه بسفارتك، فقد غرقت بالمصيبة. فوعدته بأنّني أستعطف الخليفة، وخرجت وجلست أكتب ما أُرَقّق بِهِ قلب الخليفة عَلَيْهِ. فدخل عليَّ أبو نَصْر بْن الموصلايا، فجذب الورق مني، وقال: لأن خرج، فما يبعد هلاكنا بتوصُّلِه؛ لأنّه يعلم أنّ القبض عَلَيْهِ كَانَ من جانبك. فترك ابن الحُصَيْن الكتابة. وقال ابن الحُصَيْن: آخر ما سُمع منه التَّشهُّدُ والرجوع إلى اللَّه. وكان المستظهر باللَّه قد أقطع عميد الدّولة إقطاعًا بثلاثين ألف دينار؛ فعمَّره، فقال الّذين تكلّموا فيه للخليفة: إنّه قد أخرب نواحيك وعمر نواحيه، وأنه وأنه: