ونازلت عكّا أيّامًا، ثمّ ترحّلوا وأتوا القدس، فحاصروه شهرًا ونصف، ودخلوا من الجانب الشمالي ضحوة نهار الجمعة لسبعٍ بقين من شَعْبان، واستباحوه، فإنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون. واحتمى جماعة ببرج دَاوُد، ونزلوا بعد ثلاثٍ بالأمان، وذهبوا إلى عَسْقَلان.
رواية ابن الأثير عَنْ دخول الإفرنج بيت المقدس:
قَالَ ابن الأثير: قتلت الإفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد عَلَى سبعين ألفًا، منهم جماعة من العلماء والعبّاد والزُّهّاد، وممّا أخذوا أربعين قِنْديلًا من الفضّة، وزن القنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم. وأخذوا تنُّورًا1 من فضة، وزنه أربعون رِطْلًا بالشّاميّ، وغنموا ما لا يُحْصَى.
وورد المستنفرون من الشام إلى ببغداد صحبة القاضي أَبِي سعْد الهَرَوِيّ، فأوردوا في الديوان كلامًا أبكى العيون وجرح القلوب. وبعث الخليفة رُسُلًا، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتل مجد الملك الباسلانيّ، فردّوا من غير بلوغ أربٍ، ولا قضاء حاجة، واختلف السلاطين، وتمكنت الإفرنج من الشام.
وللأَبِيوَرْدِيّ:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراحم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإيها بني الإسلام، إنّ وراءكم ... وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمةٌ في ظل أمنٍ وغبطةٍ ... وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... عَلَى هفوات أيقظت كلّ نائم؟
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
فكم من دماءٍ قد أبيحت، ومن دمي ... توارى حياءً حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا ... وسمر العوالي داميات اللهاذم