وزحف إلى الروم، وزحفوا إليه، فلمَّا قاربهم ترجَّل وعفَّر وجهه بالتراب وبكى، وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل الجيش معه، فحصل المسلمون في وسطهم، فقتلوا في الروم كيف شاءوا، وأنزل الله نصره، وانهزمت الروم، وقتل منهم ما لا يحصى، حتى امتلأت الأرض بالقتلى، وأسر ملك الروم، أسره غلام لكوهرائين، فأراد قتله ولم يعرفه، فقال له خدم مع الملك: لا تقتله فإنَّه الملك.
وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرائين على نظام الملك، فرده استحقارًا له، فأثنى عليه أستاذُه، فقال نظام الملك: عسى يأتينا بملك الروم أسيرًا، فكان كذلك.
ولما أحضر إلى بين يدي السلطان ألب أرسلان ضربه ثلاث مقارع بيده، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد.
قال: ما كان عزمك أن تفعل بي لو أسرتني؟ قال: أفعل القبيح.
قال: فما تظن أنني أفعل بك؟ قال: إمَّا أن تقتلني، وإمَّا أن تشهرني في بلادك، والأخرى بعيدة، وهي العفو، وقبول الأموال، واصطناعي.
قال له: ما عزمتُ على غير هذه.
ففدى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن ينفذ إليه عسكره كلما طلبه، وأن يطلق كل أسير في مملكته، وأنزله في خيمةٍ، وأرسل إليه عشرة آلاف دينار ليتجهَّز بها، وخلع عليه وأطلق له جماعة من البطارقة، فقال أرمانوس: أين جهة الخليفة؟ فأشاروا له، فكشَفَ رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة، وهادنه1 السلطان خمسين سنةً، وشيعه مسيرة فرسخ.
وأمَّا الروم -لعنهم الله- فلمَّا بلغهم أنه أُسِرَ ملَّكوا عليهم ميخائيل، فلمَّا وصل أرمانوس إلى طرف بلاده بلغه الخبر، فلبس الصوف وأظهر الزهد2، وجمع ما عنده من المال، فكان مائتي ألف دينار وجوهر بتسعين ألف دينار، فبعث به، وحلف أنه لا بقي يقدر على غير ذلك.