يعفيه من الخروج إليه، فخرج وعرف السلطان بأنه قد لبس خلع القائم وخطب له، فقال: إيش تسوى خطبتهم ويؤذنون بحي على خير العمل؟ ولا بد أن يدوس بساطي.
فامتنع محمود، فحاصرها مدَّةً، فخرج محمود ليلةً بأمه، فدخلت وخدمت وقالت: هذا ولدي فافعل به ما تحب.
فعفا عنه وخلع عليه، وقدَّم هو تقادُم جليلة، فترحَّل عنه.
موقعة منازكرد:
وفيها الوقعة العظيمة بين الإسلام والروم.
قال عزّ الدين في "كامله": فيها خرج أرمانوس طاغية الروم في مائتي ألف من الفرنج والروم والبجاك والكرج، وهم في تجمُّل عظيم، فقصدوا بلاد الإسلام، ووصل مَنَازْكِرْدٍ1 بُليدة من أعمال خلاط، وكان السلطان ألب أرسلان بخوي من أعمال أَذْرَبَيْجان، قد عاد من حلب، فبلغه كثرة جموعهم، وليس معه من عساكره إلا خمس عشرة ألف فارس، فقصدهم وقال: أنا ألتقيهم صابرًا محتسبًا، فإن سلمت فبنعمة الله تعالى، وإن كانت الشهادة فابني ملكشاه ولي عهدي.
فوقعت مقدمته على مقدمة أرمانوس فانهزموا وأسر المسلمون مقدمهم، فأحضر إلى السلطان فجدع أنفه، فلمَّا تقارب الجمعان أرسل السلطان يطلب المهادنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا بالري، فانزعج السلطان، فقال له إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دينٍ وَعَد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنَّهم يدعون للمجاهدين.
فلمَّا كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمَّنوا، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههنا سلطان بأمر ولا بنهي، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قتلت فهذا كفني.