وفيها جلسَ الوزيرُ نصير الدّين بْن النّاقد، واستحضرَ الوُلاة والتّجار والصّيارف، ثمّ فُرشت الأنطاع، وأُفرغَ عليها الدّراهم التي ضُرِبت بأمر المستنصر باللَّه، فقامَ الوزيرُ والدّولة خدِمةً لرؤيتها، ثمّ قَالَ: قد رسمَ مولانا أميرُ المؤمنين بمعاملتكم بهذه الدّراهم عِوَضًا عن قُراضة الذِّهَب، رِفْقًا بكم، وإنقاذا لكم من التّعامل بالحرام من الصَّرفِ الرِّبويّ، فأعلنوا بالدّعاءِ والطّاعَة. ثمّ سُعِّرت كلُّ عشرة بدينارٍ إماميّ، وأُديرت بالعراق، فقال الموفّقُ أَبُو المعالي القاسم بْن أَبِي الحديد:
لا عَدِمْنا جَميلَ رأيكَ فينا ... أنْتَ باعَدْتَنا عَنِ التّطفيف
ورَسَمْتَ اللُّجِينَ حتّى ألِفْناهُ ... ، وما كانَ قبلُ بالمألوف
ليسَ للجمعِ كانَ منعُكَ للصَّرْفِ ... ، ولكِنْ للِعَدْلِ والتِّعرِيفِ [1]
وفي ربيع الأوّل كانت وقعة أهلِ سَبْتَة مَعَ الفِرنج، وذلك أنّ متولّيها اليَنَشْتيّ [2] كَانَ قد بالغ فِي تألُفهم، فكانوا يأتون بالتّجارات، فكثروا إلى الغاية بسَبْتَة بحيث إنّهم صاروا بها أكثر من أهلها، فطمعت الفِرنجُ وراموا تملُّكَ البلدِ وأعملوا الحيلة. وكان لأبي الْعَبَّاس اليَنَشْتيّ ابنان: أحدهما قائدُ البحر، والآخر قائدُ البرّ. فخرج قائدُ البرّ نوبة بجيشه لأخذِ الخراج من القبائل، فعزَمَ الملاعينُ عَلَى أمرهم، ولَبِسُوا أسلحتهم وخرجوا، فطلبوا من سقّاءٍ ماء، فأبى، فقتلوه، وشَرَعوا فِي القتال. وثارَ المسلمون إليهم، والتحم الحرب، فقتلوا من أهل