فيها جاءت من الفرنج ثلاثة ملوك إلى بيت المقدس، وصلّوا صلَاة الموت، وردّوا عَلَى عكّا، وفرّقوا في العساكر سبعمائة ألف دينار، وعزموا عَلَى قصد الإسلام. وظنّ أهل دمشق أنّهم يقصدون قلعتين بقرب دمشق، فلم يشعروا بهم في سادس ربيع الأوّل إلّا وقد صبّحوا دمشق في عشرة آلاف فارس، وستّين ألف راجل، فخرج المسلمون فقاتلوا، فكانت الرَّجّالة الّذين برزوا لقتالهم مائة وثلاثين ألفا، والخيّالة طائفة كبيرة، فقُتل في سبيل اللَّه نحو المائتين، منهم الفقيه يوسف الفنْدلاويّ [1] ، والزّاهد عبد الرحمن الحلْحُوليّ [2] . فلمّا كَانَ في اليوم الثّاني، خرجوا أيضا، واستُشْهِد جماعة، وقتلوا من الفرنج ما لا يُحصى.
فلمّا كَانَ في اليوم الخامس، ووصل غازي بْن أتابك زنْكي في عشرين ألف فارس، ووصل أخوه نور الدّين محمود إلى حماه رديف لَهُ. وكان في دمشق البكاء والتّضرُّع وفرْش الرّماد أيّاما، وأُخرِج مُصْحَفُ عثمان إلى وسط الجامع.
وضجّ النّساء والأطفال مكشّفين الرّؤوس، فأغاثهم اللَّه.
وكان مَعَ الفرنج قِسّيس ذو لحية بيضاء، فركب حمارا، وعلّق في حلقه الطِّيب، وفي يديه صليبين، وقال للفرنج: أَنَا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، ولا يردّني أحد. فاجتمعوا حوله، وأقبل يريد البلد، فلمّا رآه المسلمون صدقت نيّتُهم، وحملوا عَلَيْهِ، فقتلوه، وقتلوا الحمار، وأحرقوا الصّلبان، وجاءت