فلمّا راح الرّسول لامه نصر الله المصّيصيّ وقال: قد عَلِمْتَ حَاجَتَنا إليه.
فقال: لا تجزعْ، فسوف يأتيك من الدّنيا ما يكفيك فيما بعد. فكان كما تفرَّس فيه.
حكاها غيث الأرمنازيّ، وقال: سمعته يقول: درستُ على سُلَيْم أربع سِنين. فسألتُهُ: في كم كتبتَ تعليقة سُلَيْم؟ فقال: في ثمانين [1] جزءًا [2] ، وما كتبتُ منها شيء إلّا على وضوء [3] .
قلت: وكان إمامًا علّامة في المذهب، زاهدًا، قانتًا، ورِعًا، كبير الشّأن.
قال الحافظ ابن عساكر: [4] لم يقبل من أحدٍ صلةً بدمشق، بل كان يقتات من غلّةٍ تُحْمَل إليه من أرضٍ بنابُلس ملْكه، فيَخْبِزُ له كلّ ليلة قَرْصةً في جانب الكانون.
حكى لي ناصر النّجّار، وكان يخدمه، أشياء عجيبة من زُهْده وتقلُّله، وترْكه تناول الشّهوات.
وكان، رحمه الله، على طريقةً واحدةٍ من الزُّهْد والتَّنزُّه عن الدَّنايا والتَّقَشُّف.
وحكى لي بعض أهل العِلْم قال: صَحِبْت إمام الحَرَمَيْن بخُراسان، وأبا إسحاق الشّيرازيّ ببغداد، فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة إمام الحَرَمَيْن.
ثمّ قدِمْتُ الشّامَ، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما [5] .
قال غيره: كان الفقيه نصر يعرف بابن أبي حافظ [6] .