ورد العراق تاجرًا فِي اللؤلؤ، وأخذ عن علمائها. ثُمَّ رجع وخدم بمصر فِي ديوان الرّسائل لإصلاح المكاتبات وإعرابها. وقرّروا له فِي الشهر خمسين دينارًا، ثُمَّ استعفى من ذلك فِي آخر عمره، وتزهَّد فِي منارة جامع عَمْرو بْن العاص [1] .
وكان شيخ الديار المصرية فِي الأدب. ألَّف شرحًا للجُمَل [2] فِي غاية الحُسْن، وصنَّف كتاب «المحسبة فِي النحو» [3] ثُمَّ شرحها.
أَخَذَ عَنْهُ: أبو القاسم بْن الفحام المقرئ، ومحمد بْن بركات السَّعِيديّ شيخ ابن برّيّ.
وصنف كتابًا سماه «تعليق الفرقة» [4] فِي النحو ألّفه أيام انقطاعه [5] .
وبَلَغنَا أن سبب تزهُّدِه أنه كان إذا جلس للغداء جاءه سنور فوقف بين يديه، فإذا ألقى له شيئًا لا يأكله، بل يحمله ويمضي، فتبِعَه يومًا لينظر أَيْنَ يذهب، فإذا هُوَ يحمله إلى موضع مظلم في الدّار، فيه سِنَّورٌ أُخرى عمياء، فيُلْقِيه لها فتأكله. فبُهِتَ من ذلك، وقال: إن الَّذِي سخر هَذَا السنور لهذه المسكينة ولم يهمله، قادرٌ أن يُغْنِيني عن هَذَا العالم. فلزم منارة الجامع كما ذكرنا.