وطالت أيامه إِلَى أن تُوُفّي فِي رجب [1] فقيل إنّ ملك الفرنج سَمَّهُ فِي ثيابٍ بعث بها إليه.
وقيل: مات حتْف أنفه، وقام بعده ابنه المعتمد.
وممّا تمَّ له فِي سنة أربع وأربعين أنه سكر ليلة، وخرج فِي الليل مع غلام، وسار نحو قرمونة، وهي بعض يوم من إشبيلية. وكان صاحب قرمونة إِسْحَاق بن سليمان البزاليّ قد جرت معه حروب، فلم يسر حَتَّى أتى قرمونة، وكان إِسْحَاق يشرب فِي جماعة، فأُعلِم بالمعتضد بأنه يستأذن، فزاد تعجُّبهم، وأذِن له، فسلَّم على إِسْحَاق، وشرع فِي الأكل، فزال عَنْهُ السُّكْر، وسُقِط فِي يده، لما بينه وبين برزال من الحرب، لكنّه تجلّد وأظهر السّرور، وقال: أريد أن أنام.
فنوّمه فِي فراش، فتناوم، وظنوا أنه قد نام، فقال بعضهم: هَذَا كبَشٌ سمين، واللهِ لو أنفقتم مُلْك الأندلس عليه ما قدرتُم، فإذا قتل لم تبق شوكة تَشُوككم.
فقام منهم مُعَاذ بْن أَبِي قُرَّة، وكان رئيسًا، وقال: واللهِ لا كان، هَذَا رجلٌ قَصَدَنا ونزلَ بنا، ولو علم أنّا نؤذيه ما أتانا مُسْتَأْمنًا. كيف تتحدَّث عنا القبائل أَنَا قتلنا ضيفنا وخفرنا ذمتنا؟
ثُمَّ انتبه، فقاموا وقبلوا رأسه، وجدّدوا السلام عليه، فقال لحاجبه: أَيْنَ نَحْنُ؟
قال: بين أهلك وإخوانك.