البصرة، فأوقع بِهِم وقتل كثيرًا منهم، وأسَر القوي والد فُلَيَتَة، والأشتر، وأربعة عشر رجلًا من الوجوه. ووجدَ الأموال والأحمال قد تمزَّقت وتفّرقت، فانتزع ما أمكنه وعاد إلى الكوفة، وبعث الأسرى إلى بغداد، فشُهّروا وسجنوا، وجوع بعضهم، ثُمَّ أطعمهم المالح، وتركوا على دجلة يرون الماء حَتَّى ماتوا عطشا [1] .
وفي رمضان انقضّ كوكبٌ من المشرق ببغداد، فغلبَ ضوؤه عَلَى ضوء القمر وتقطّع قطَعًا [2] .
وفي شوّال أُخْرجت جنازة بِنْت أَبِي نوح الطبيب امرَأَة ابن إسرائيل كاتب النّاصح أَبِي الهيجاء. ومع الجنازة النّوائح والطُّبول والزُّمور والرُّهْبان والصّلْبان والشُّموع. فأنكر هاشميٌ ذَلِكَ ورجَمَ الجنازة، فوثب بعض غلمان النّاصح فضربَ الهاشميّ بدبّوس فشجّه، وهربوا بالجنازة إلى بَيْعةٍ هناك، فتبِعَتْهم العامّة، ونهبوا البيعة وما جاورَها مِن دُور النَّصارَى.
وعاد ابن إسرائيل إلى داره، فهجموا عَليْهِ، فهربَ واستجار بمخدومِه.
وثارت الفتنة بين العامّة وبين غلمان النّاصح، وزادت ورُفِعَتِ المصاحف في الأسواق، وغُلِّقت الجوامع، وقصد النّاسُ دار الخليفة، فركب ذو السَّعادتين إلى دار النَاصح، وتردّدت رسالة الخليفة بإنكار ذَلِكَ، وطُلِبَ ابن إسرائيل، فامتنع النّاصح من تسليمه. فغضب الخليفة وأمر بإصلاح الطّيّار للخروج من البلد.
وجمع الهاشمييّن في داره، واجتمعت العامّة يومَ الجمعة، وقصدوا دار النّاصح، ودفعهم غلمانه عَنْهَا، فقُتل رَجُل قِيلَ إنّه علويّ، فزادت الشّناعة، وامتنع الناس من صلاة الجمعة. وظفرت العامّة بقومٍ من النّصارى فقتلوهم. ثمّ بعث النّاصحُ