شيزر [1] ، وانكبّ [2] العربان في الروم غير مرّة، وكسبوا ما لا يوصف.
ونزل عظيم الروم على أنطاكية فحاصرها ثمانية أيّام ليلًا ونهارًا وبذل الأمان لأهلها، فأبوا، فقال: أنتم كاتبتموني ووعدتموني بالطاعة، فأجابوا: إنّما كاتبنا الملك حيث كان سيف الدولة بأرمينية بعيدًا عنّا، وظننّا أنّه لا حاجة له في البلد، وكان السيف بين أَظْهُرِنا، فلما عاد سيف الدولة لم نُؤْثِر على ضبط أدياننا وبلدنا شيئًا. فناجَزَهُمُ الحربً من جوانبها، فحاربوه أشدّ حربٍ، وكان عسكره مُعْوِزًا من العلوفة.
ثم بعث نائب أنطاكية محمد بن موسى إلى قرغويه [3] متولّي نيابة حلب بتفاصيل الأمور وبثبات الناس على القتال، وأنّا قد قتلنا جملةً من الروم، وأنّ المسلمين قد أثّروا في الروم وتشجعوا ونشطوا للقتال، وأنا ليلي ونهاري في الحرب لا أستقرّ ساعة، وأنّ اللعين قد ترحّل عنّا وترك الجسر.
وفيها أوقع تقي [4] السيفي بسريّة للروم فاصطلموها، ثم خرج الطاغية من الدروب [5] وذهب.
ثم جاء الخبر بأنّ نائب أنطاكية محمد بن موسى الصُّلَحيّ أخذ الأموال التي في الخزائن في أنطاكية مُعَدَّة وخرج بها كأنّه متوجّه إلى سيف الدولة، فدخل بلَدَ الروم مرتدًّا، فقيل: كان عزم على تسليم أنطاكية للملك فلم يُمكن لاجتماع أهل البلد على ضبطه، فخشي أن يُنَمَّ خبرُه إلى سيف الدولة فيتلفه، فهرب بالأموال.
وفيه قدم الغُزاة الخراسانية ميّافارِقين فتلقّاهم أبو المعالي بن سيف الدولة وبالغ في إكرامهم بالأطعمة والعلوفات ورئيسهم أبو بكر محمد بن عيسى.