قيل: كانت وقعة القادسية في أوّلها، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل.
قَالَ خليفة: فيها فُتِحت الأهواز ثُمَّ كفروا، فحدّثني الوليد بْن هشام، عَنْ أبيه، عَنْ جدّه قَالَ: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه البيروان على ألفي ألف درهم وثماني مائة ألف دِرهم، ثُمَّ غزاهم الأشعري بعده.
وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرشير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد بْن شَهْرَيار.
فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرشير - وهي المدينة التي فيها منزل كِسْرَى - طلب السُّفُنَ ليعبر بالنّاس إلى المدينة الْقُصْوَى، فلم يقدر على شيءٍ منها، وجدهم قد ضمُّوا السفن، فبقي أيّامًا حتى أتاه أعلاجٌ فدُّلوه على مخاضة، فأبى، ثُمَّ إنه عزم له أن يقتحم دِجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزَّبَد، ففجِئ أهل فارس أمرٌ لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعةً ثمّ انهزموا وتركوا جُمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كلّه، ثُمَّ أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصّنوا ثُمَّ صالحوا.
وقيل: إنّ الفرس لمّا رأوا اقتحام المُسْلِمين الماء تحيَّروا، وقالوا: واللِه مَا نقاتل الإنس ولا نقاتل إلا الجن، فانهزموا.
ونزل سعد القصر الأبيض، واتّخذ الإيوان مُصَلَّى، وإنّ فيه لتماثيل -[93]- جَصٍّ فما حرَّكها. ولما انتهى إلى مكان كِسْرى أخذ يقرأ: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} {وَزُرُوعٍ} الآية.
قالوا: وأتمّ سعد الصلاة يومَ دخلها، وذلك أنَّه أراد المقام بها، وكانت أول جُمعة جُمِعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة.
قَالَ الطبري: قسَّم سعدٌ الفيء بعدما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفًا، وكلّ الجيش كانوا فرسانًا.
وقسّم سعدٌ دور المدائن بين النَّاس وأُوطِنوها، وجمع سعدٌ الْخُمْسَ وأدخل فيه كل شيءٍ من ثياب كِسْرى وحُلِيِّه وسيفه، وَقَالَ للمُسْلِمين: هل لكم أن تطيب أنفُسُكم عَنْ أربعة أخماس هذا القِطْف فنبعثَ به إلى عُمَر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعًا؟ قالوا: نعم، فبعثه على هيئته، وكان ستين ذراعًا في ستين ذراعا بساطًا واحدًا مقدار جَرِيب، فيه طُرُق كالصُّورَ، وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدّرّ، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرضُ كالمُبْقِلَة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب، ونوّاره بالذهب والفضة ونحوه، فقطّعه عُمَر وقسّمه بين النَّاس، فأصاب عليًّا قطعةٌ منه فباعها بعشرين ألفًا.
واستولى المسلمون في ثلاثة أعوامٍ على كرسيّ مملكة كِسْرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلي أُمَّيْ بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يُسمع بمثلها قطّ من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور، فسبحان الله العظيم الفتّاح.
وكان لكِسْرى وقيْصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهرٌ طويل؛ فأمّا الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحوًا من خمسمائة سنة، فأوّل ملوكهم دارا، وطال عُمرُهُ، فيقال: إنّه بقي في المُلْك مائتي سنة، وعدّة ملوكهم خمسة وعشرون نفسًا، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمن عثمان. وممّن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، عقِد له بالأمر وهو في بطن أمّه، لأن أباه مات وهذا حمْل، فَقَالَ الكهان: هذا يملك الأرض، فوُضِع التّاجُ على بطن الأمّ، وكُتِب منه إلى -[94]- الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيءٌ لم يُسْمع بمثله قطّ، وإنّما لُقِّب بذي الأكتاف لأنه كان ينزع أكتافَ مَن غضب عليه، وهو الَّذِي بنى الإيوان الأعظم وَبَنَى نَيْسَابُور وبنى سجستان.
ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، وكان حازما عاقلا، كان له اثنتا عشرة ألف امرأةٍ وسريَّة، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحدًا، ووُلد نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في زمانه، ثم مات أنوشروان وقت مَوْت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف ألف مثقال ذهبًا.