-وفي سنة ثلاثٍ ومائتين

توفي: أزهر السمان، وحسين الْجُعْفيّ، وزيد بْن الحُبَاب، وعليّ بْن موسى الرضا، وأبو داود الحفري، ومحمد بْن بِشْر العبْديّ، ويحيى بْن آدم، والوليد بن مزيد البيروتي.

ولمّا وصل المأمون إلى طوس أقام بها عند قبر أَبِيهِ أيامًا؛ ثمّ إنّ عليّ بْن موسى الرِّضا أكل عنبًا فأكثر منه فمات فجاءة في آخر صَفَرها. فدفن عند قبر الرشيد. واغتمّ المأمون لموته. ثمّ كتب إلى بغداد يعلمهم إنّما نقموا عَلَيْهِ بيعته لعليّ بْن موسى وها قد مات. فجاوبوه بأغلظ جواب.

ولما قدِم المأمون الري أسقط عنها ألفي ألف درهم.

وفيها مرض الحَسَن بْن سهل مرضا شديدا، فأعقبه السوداء، وتغير عقله حتّى رُبِط وحُبِس. وكتب قُوّاده بذلك إلى المأمون، فأتاهم الخبر أنّ يكون عَلَى عسكره دينار بْن عَبْد اللَّه، وها أنا قادم عليكم.

وأما عيسى بْن محمد بْن أَبِي خَالِد فشرع يكاتب حميدا، والحَسَن بْن سهل سرًا. وبقي إبراهيم بْن المهدي كلما ألح عَلَيْهِ في الخروج إلى المدائن لقتال حُمَيْد يعتل عَلَيْهِ بأرزاق الْجُنْد مرة، وحتى يستغلوا مرة. حتّى إذا توثق بما يريد ممّا بينه وبين حميد والحسن فارقهم، وكان قد ناوشهم بعض القتال في الصورة، ثمّ وعدهم أنّ يسلم إليهم إبراهيم بْن المهديّ. فلما وصل إلى بغداد قَالَ للناس: إني قد سالمت حميدًا وضمنت لَهُ أنّ لا أدخل عمله ولا يدخل عملي. ثم خندق عَلَى باب الجسر وباب الشام. فبلغ إبراهيم ما هُوَ فيه فحذر.

وقيل: إنّ الّذي نم إِلَيْهِ هارون أخو عيسى، فطلبه إبراهيم، فاعتل عليه -[13]- عيسى. ثمّ ألح عَلَيْهِ في المجيء، فأتاه، فحبسه بعد معاتبةٍ بينهما، وبعد أنّ ضربه وحبس معه عدة من قواده في آخر شوّال. فمضى بقية أصحابه ومواليه بعضهم إلى بعض، وحرضوا إخوته عَلَى إبراهيم بْن المهديّ، فتجمعوا، وكان رأسهم عَبَّاس نائب عيسى، فطردوا كل عاملٍ لإبراهيم في الكرخ وغيره. ثمّ شدوا على عامل باب الجسر فطردوه. فدخل إلى إبراهيم وقطع الجسر. ثمّ ظهر الأوباش والشطار.

وكتب عباس نائب عيسى إلى حُمَيْد يحثه عَلَى المجيء ليتسلم بغداد. ولم يصلوا جمعة بل ظهرًا. فقدم حميد وخرج لتلقيه عَبَّاس وقواد أهل بغداد، فوعدهم ومناهم وأن ينجز لهم العطاء عَلَى أنّ يصلوا الجمعة فيدعوا للمأمون، ويخلعوا إبراهيم، فأجابوه. فبلغ إبراهيم بْن المهديّ الخبرٌ، فأخرج عيسى من الحبْس، وسأله أنّ يكفيه أمر حُمَيْد، فأبى عَلَيْهِ.

فلمّا كَانَ يوم الجمعة بعث عَبَّاس إلى محمد بْن أَبِي رجاء الفقيه فصلّى بالناس ودعا للمأمون. ووصل حُمَيْد إلى الياسريّة، فعرض بعض الجند وأعطاهم الخمسين درهما التي وعدهم، فسألوه أنّ ينقصهم عشرة عشرة لأنهم تشاءموا لما أعطاهم عليّ بْن هشام خمسين خمسين، فغدر بهم وقطع العطاء عنهم. فقال حميد: بل أزيدكم عشرة وأعطيكم ستين.

فدعا إبراهيم عيسى، وسأله أيضًا أنّ يقابل حميدًا فأجابه، فخلى سبيله وضمن عَلَيْهِ. فكلَّم عيسى الْجُنْد أنّ يُعطيهم كعطاء حُمَيْد فأَبَوْا عَلَيْهِ. فعبر إليهم هُوَ وإخوته إلى الجانب الآخر الغربيّ، وقال: أزيدكم عَنْ عطاء حميد. فسبّوه، وقالوا: لا نريد إبراهيم. فدخل عيسى وأصحابه المدينة، فأغلقوا الأبواب، وصعدوا السور وقاتلوا ساعة. ثمّ انصرفوا إلى ناحية باب خراسان، فركبوا في السفن. ورد عيسى كأنه يريد يقاتلهم، ثمّ احتال حتّى صار في أيديهم شبه الأسير، فأخذه بعض قواده فأتى بِهِ منزله، ورجع فرقة إلى إبراهيم فأخبروه بأسر عيسى، فاغتمّ، وكان قد ظفر في هذه الليالي بالمُطَّلِب بْن عَبْد اللَّه وحبسه ثلاثة أيّام، ثمّ إنّه خلّى عَنْهُ.

وكان النّاس يذكرون أنّ إبراهيم قد قتل سهل بْن سلامة المطَّوِّعيّ، وإنّما هُوَ في حبسه. فأخرجه إبراهيم، فكان يدعو النّاس في مسجد الرصافة إلى -[14]- إبراهيم بالنّهار. فإذا كَانَ الليل ردّه إلى حبسه. فأتاه أصحابه ليكونوا معه فقال: الزموا بيوتكم فإني أُداري إبراهيم.

ثمّ إنّ إبراهيم خلّى سبيله في أول ذي الحجة، فذهب واختفى. فلمّا رأى إبراهيم تفرق الجيش عَلَيْهِ أخرج جميع من عنده للقتال فالتقوا عَلَى جسر نهر ديالى فاقتتلوا، فهزمهم حُمَيْد. فقطعوا الجسر وراءهم.

فلما كَانَ يوم الأضحى أمر إبراهيم بْن المهديّ القاضي أنّ يصلّي بالناس في عِيساباذ. فلمّا انصرف النّاس من صلاتهم اختفى الفضل بْن الربيع، ثمّ تحول إلى حُمَيْد، وتبعه عَلَى ذَلِكَ عليّ بْن ريطة، وأخذ الهاشميون والقواد يتسللون إلى حُمَيْد، فاسقط في يد إبراهيم وشُقّ عَلَيْهِ. وبلغه أنّ من بَقِيّ عنده من القواد يعملون عَلَى قبضه. فلمّا جنّه الليل اختفى لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة، وبقي مختفيا مدة سنين.

وأما سهل بْن سلامة فأحضره حُمَيْد بْن عبد الحميد فأكرمه، وحمله عَلَى بغل وردّه إلى داره. فلمّا قدِم المأمون أتاه فأجازه ووصله، وأمره أنّ يجلس في منزله.

وكانت أيّام إبراهيم سنتين إلا بضعة عشر يوما.

ووصل المأمون إلى همذان في آخر السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015