ثمّ قَالَ ابن إِسْحَاق: ولمّا فتح اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكّة، وفَرَغ من تبوك، وأسلمتْ ثقيف، ضَرَبتْ إِلَيْهِ وُفودُ العرب من كلّ وَجْهٍ. وإنما كانت العرب تَرَبَّصُ بالإسلام أَمْرَ هذا الحيّ من قريش، وأَمْرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك أنّ قريشًا كانوا إِمامَ الناس.
قَالَ: فقدم عُطَارِد بْن حَاجِب فِي وفدٍ عظيمٍ من بني تميم، منهم الأَقْرَع بْن حَابِس، والزِّبْرِقَان بْن بَدْر، ومعهم عُيَيْنة بْن حِصْن. فلمّا دخلوا المسجد. نادوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ وراء حجراته: أن اخرج إلينا يا محمد، وآذى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ صياحهم فخرج إليهم فقالوا: يا مُحَمَّد جئناك نفاخرك، فائذنْ لشاعرنا وخطيبنا. قَالَ: قد أَذِنْتُ لخطيبكم، فلْيَقُمْ. فقام عُطارد، فقال:
الحمد لله الَّذِي لَهُ علينا الفضلُ وَالْمَنُّ، وهو أَهْلُه، الَّذِي جعلنا ملوكًا. ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزَّ أهُل المَشْرق، وأكثرَهُ عَدَدًا، وأَيْسره عُدّةً. فَمنْ مثْلُنا فِي النّاس؟ أَلَسْنا برؤوس النّاس وَأُولِي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإن لو نشأ لأكثرنا الكلام، ولكن نستحيي من الإِكْثار. أقول هذا لأَنْ تَأتوا بمثل قولنا، وأمرٍ أفضل من أمرنا.
ثمّ جلس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثَابِت بْن قَيْس بْن الشَّمَّاس الخَزْرَجِيّ: قُمْ فأَجِبْهُ. فقام، فقال:
الحمد لله الَّذِي السماواتُ والأرضُ خَلْقُه، قضى فيهنَّ أَمْره، ووَسع كُرْسِيُّه عِلْمه، ولم يكن شيء قطّ إلّا من فضله. ثمّ كَانَ من فضله أنَّ جعلنا