الربا إلا في رؤوس أموالكم، وحَرَّم الخَمْر والزِّنا، فقالت ثقيف: والله لَا نقبل هذا أبدًا. فقال الوفد: أَصْلحوا السلاح وتهيؤوا للقتال ورمّوا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثمّ ألقى اللَّه فِي قلوبهم الرُّعب، فقالوا: والله ما لنا بِهِ طاقة، وقد أداخ العرب كلّها، فارجعوا إِلَيْهِ فأَعْطُوه ما سَأَلَ. فلمّا رَأَى ذَلِكَ الوفد أنهم قد رَعَبوا قَالُوا: فإنّا قد قاضَيْناه وفعلنا ووجدناه أتقى النّاس وأرحمهم وأصدقهم. قَالُوا: لِم كَتَمْتُمُونا وغَمَمْتُمونا أشدّ الغمّ؟ قَالُوا: أردنا أنَّ ينزع اللَّه من قلوبكم نَخْوَة الشَّيطان. فأسلموا مكانَهم.
ثمّ قدِم عليهم رسُلُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد أمَّر عليهم خَالِد بْن الوليد، وفيهم المُغِيرة. فلمّا قدِموا عمدوا للات ليهدموها، واسْتَكَفَّت ثقيف كلها، حتّى خرج العَواتق، لَا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المُغِيرة فأخذ الكَرْزِينَ وقال لأصحابه: والله لأُضْحِكَّنكم منهم. فضرب بالكرزين، ثمّ سقط يَرْكُض. فارتَجّ أهُل الطائف بصيحةٍ واحدةٍ، وقَالُوا: أَبْعَدَ اللَّه المُغِيرة، قد قتلته الرَّبَّة. وفرحوا، وقَالُوا: من شاء منكم فليقتربْ وليجتهدْ عَلَى هدمها، فَوَالله لَا يُستطاع أبدًا. فوثب المُغِيرة بْن شُعْبَة فقال: قبّحكم اللَّه؛ إنما هِيَ لكاع حجارة ومَدر، فاقْبَلوا عافِيَة اللَّه واعبدوه. ثمّ ضرب الباب فكسره، ثمّ عَلا عَلَى سورها، وعلا الرجالُ معه، فهدموها. وجعل صاحب المَفْتَح يَقُولُ: ليَغْضَبَنَّ الأساسُ، فليخسفَنَّ بهم. فقال المُغِيرة لخالد: دعني أحفر أساسها، فحفره حتّى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حِلْيَتَها، وأخذوا ثيابها. فبهتت ثقيف، فقالت عجوزٌ منهم: أسلمها الرُّضَّاع وتركوا المِصَاع.
وأقبل الوفد حتّى أتوا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحليتها وكسوتها، فَقَسَمه.
وقال ابن إِسْحَاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عُرْوَةُ بْن مَسْعُود، أشهرًا.
ثمّ ذكر قدومَهم عَلَى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسلامَهم. وذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أَبَا