فمكث الوفد يختلفون إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يدعوهم إلى الْإِسْلَام، فأسلموا. فقال كِنانة بْن عَبْد يَالِيل: هَلْ أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟ قال: " نعم، إنْ أنتم أقررتم بالإسلام قاضَيْتُكم، وإلا فلا قَضِيّة ولا صُلْح بيني وبينكم ". قَالُوا: أفرأيت الزِّنا فإنّا قوم نغترب لَا بُدّ لنا منه؟ قَالَ: هُوَ عليكم حَرامٌ. قَالُوا: فالرِّبا؟ قَالَ: " لكم رؤوس أموالكم ". قَالُوا: فالخمر؟ قَالَ: حرام. وتلا عليهم الآيات فِي تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا: وَيْحكم، إنّا نخاف إنْ خالفناه - يومًا كيوم مكة. انْطَلقوا نُكَاتِبه عَلَى ما سأَلَنا. فأَتَوْه فقالوا: نعم، لَكَ ما سَأَلت. أرأيت الرَّبَّة ماذا نصنع فيها؟ قَالَ: " اهدموها ". قَالُوا: هيهات، لو تعلم الربة ماذا تصنع فيها أو أنّك تريد هدمها قَتَلَتْ أهلها. فقال عُمَر: ويحك يا ابْن عَبْد يَالِيل، ما أحمقك، إنما الربة حجر. قال: إنّا لم نَأْتِك يا ابْن الخطّاب. وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَوَلَّ أنت هدمها، فأما نَحْنُ فإنّا لن نهدمها أبدًا. قَالَ: " فسأبعث إليكم من يهدمها ". فكاتَبُوه وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أمِّرْ علينا رجلًا يَؤُمّنا. فأمّر عليهم عثمان لِما رَأَى من حِرْصه عَلَى الْإِسْلَام. وكان قد تعلَّم سُوَرًا من القرآن.
وقال ابن عَبْد يَالِيل: أَنَا أَعلم النّاس بثقيف. فاكْتُمُوهم الْإِسْلَام وخَوِّفُوهم الحربَ، وأَخْبِرُوا أنّ محمدًا سَأَلَنا أمورًا أَبَيْناها.
قَالَ: فخرجت ثقيف يتلقَّوْن الوفدَ. فلمّا رأوهم قد ساروا العَنَق، وقَطَروا الإبل، وَتَغشَّوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حَزِنُوا وكُرِبُوا ولم يرجعوا بخير. فلمّا رأت ثقيف ما فِي وجوههم قَالُوا: ما وفدُكم بخيرٍ ولا رجعوا بِهِ. فدخل الوفد فعَمدوا اللات فنزلوا عندها. والّلات بيت بين ظهرَيْ الطائف يُسْتَر ويُهْدَى لَهُ الْهَدْيَ، كما يُهدى للكعبة.
فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لَا عَهْد لهم برؤيتها. ثمّ رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رَجُل منهم خاصَّتَه فسأَلوهم فقالوا: أَتَيْنا رجلًا فَظًّا غليظًا يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وأَدَاخ العرب ودانت لَهُ النّاس. فعرض علينا أمورًا شِدادًا: هَدْم الّلات وترك الأموال في