المسجد ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أصحابه مكانَ المائدة من القوم، والقوم متحلِّقون معه حَلْقةً دون حَلْقة، يلتفت إلى هَؤُلَاءِ مرّة فيحدّثهم، وإلى هَؤُلَاءِ مرّة فيحدّثهم.
قَالَ كَعْب: فأنخْتُ رَاحِلتي، ودخلت، فعرفتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصِّفَة، فتخَطَّيْت حتى جلست إِلَيْهِ فقلتُ: أشهد أنَّ لَا إله إلّا اللَّه، وأنّك رَسُول اللَّهِ. الأَمانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " وَمَنْ أنتَ؟ " قلتُ: أَنَا كَعْب بْن زُهَيْر. قَالَ: " الَّذِي يَقُولُ "، ثمّ التفتَ إلى أَبِي بَكْر فقال: "كيف قَالَ يا أَبَا بَكْر؟ ". فأنشده:
سقاك أَبُو بَكْر بكأس روية ... وأنهلك المأمُور منها وعلّكا
قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما قلتُ هكذا. قَالَ: " فكيف قلت؟ " قلتُ: إنّما قلتُ:
وأنهلك المأمونُ منها وعلّكا
فقال: " مأمونٌ، والله ".
قَالَ: ثمّ أنشده:
بانَتْ سُعاد فقلبي اليوم مَتْبولُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَها لم يُلْفَ مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلّا أَغنُّ غَضِيض الطَّرْف مَكْحول
تجلو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إذا ابتسمتْ ... كأنّه مُنْهلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ من ماءِ محنية ... صاف بأبطحَ أَضْحَى وهو مَشْمول
تَنْفي الرياحُ الْقَذَى عَنْهُ وأفْرَطَهُ ... من صَوْب ساريةٍ بيضٌ يَعالِيل
أَكْرِمْ بها خُلَّةً لو أنّها صَدَقتْ ... مَوْعُودَها أَوْ لَوْ أن النصح مقبول
لكنها خلة قَدْ سيط من دمها ... فجع ووَلْعٌ وإخْلافٌ وتَبْديل
فما تدومُ عَلَى حالٍ تكونُ بها ... كما تَلَوَّنُ فِي أثوابها الْغُولُ