-فتح مكة
شرفها الله وعظمها
قَالَ البكّائي، عَنِ ابن إِسْحَاق: ثمّ إنّ بني بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنانة عدت عَلَى خُزَاعَة، وهم عَلَى ماءٍ بأَسفل مكة يقال لَهُ: الوَتير. وكان الَّذِي هاج ما بين بكر وخزاعة أن رجلًا من بني الحَضْرَميّ خرج تاجرًا، فلمّا توسّط أرضَ خُزاعة عَدَوا عَلَيْهِ فقتلوه وأخذوا ماله. فَعَدَت بنو بكرٍ عَلَى رجلٍ من خُزاعةَ فقتلوه. فَعَدَتْ خُزَاعة قُبَيْل الإِسلام عَلَى سلْمى وكلثوم وذُؤَيْب بني الأسود بْن رَزْن الديلي، وهم مفخر بني كِنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعَرَفَة.
فبينا بنو بَكْر وخُزاعة عَلَى ذَلِكَ حَجَز بينهم الْإِسْلَام، وتشاغل النّاس بِهِ. فلمّا كَانَ صُلح الحُدَيْبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، كَانَ فيما شرطوا لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَطَ لهم أنّه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل معه، ومن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد قريش وعهدهم فلْيدْخل فِيهِ. فدخلت بنو بَكْر فِي عقد قريش، ودخلت خُزاعة فِي عقد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمنُها وكافرُها.
فلمّا كانت الهدنةُ اغتنمها بنو الدّيْل أحد بني بَكْر من خُزاعة، وأرادوا أنَّ يصيبوا منهم ثأرًا بأولئك الإِخوة. فخرج نوفل بْن معاوية الدِّيليّ فِي قومه حتّى بيت خُزاعة عَلَى الوَتِير، فاقتتلوا. ورَدَفَتْ قريشٌ بني الديل بالسلاح، وقومٌ من قريش أعانت خُزاعة بأنفسهم، مُسْتَخفين بذلك، حتّى حازوا خُزاعة إلى الحَرَم. فقال قوم نوفل له: اتقِ إلهك، ولا تَسْتَحِلّ الحَرَم! فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كِنانة إنّكم لَتَسْرِقون فِي الحَرَم! أفلا تصيبون فِيهِ ثأركم؟ فقتلوا رجلًا من خُزاعة، ولجأت خُزاعة إلى دار بُدَيْل بْن وَرقاء الخُزَاعي، ودار رافع مولى خُزاعة.
فلمّا تظاهر بنو بَكْر وقريش عَلَى خُزاعة، كَانَ ذَلِكَ نقْضًا للهُدنة التي