فِي ثاني المُحَرَّم دخل السّلطان زين الدِّين كَتْبُغا دمشقَ راجعًا من حمص، ثُمَّ صلّى الْجُمُعَة بالجامع وأخذ من النّاس قَصَصَهم حَتَّى قيل إنّه رَأَى شخصًا بيده قَصّة فتقدّم بنفسه إليه خُطُوات وأخذها منه. ثُمَّ جلس من الغد بدار العدل وكتب على القَصَص.
ووُلّي حسبةَ دمشق الزّينُ عمرُ أخو الصّاحب شهاب الدين الحنفي.
وصلى السلطان الْجُمُعَة الثانية من المُحَرَّم بجامع دمشق، ثُمَّ مشى إلى عند المكان الملقّب بقبر هود فصلّى عنده وصعِد في هذا اليوم إلى مغارة الدّم وزار، ثُمَّ صلّى الْجُمُعَة الثالثة أيضًا بالجامع. -[695]-
وأعطى الملك الكامل طبل خاناه.
وفيه قُيِّد أسَنْدمُر وحُبِس وولي الشّدّ فتح الدين ابن صبرة ورُسِّم للأعسر بأن يسافر مع الجيش إلى مصر وولي محيي الدين ابن الموصلي وكالة البيسري وخلع عليه لذلك.
وسافر السّلطان من دمشق فِي ثاني وعشرين المحرم وخرج القضاة لتوديع الصاحب.
ولمّا كان سلْخ المُحَرَّم اشتهر بالبلد أنّ الجيش مختبط وأُغِلق باب القلعة وتهيّأ نائب السلطنة غرْلُو وجمع الأمراء وركب بعض العسكر على باب النَّصر، فَلَمّا كان قريب العصر وصل السّلطان الملك العادل إلى القلعة فِي خمسة مماليك فقط وكان قد وصل فِي أول النّهار أمير شكار مجروحًا وهو الَّذِي أعلم بالأمر، فدخل الأمراء إلى الخدمة وخُلع على جماعة واحتيط على نوّاب نائب السلطنة الحسام لاجين وحواصله بدمشق.
وكان الأمر الَّذِي جرى بقرب وادي فحمة بُكْرة الإثنين ثامن وعشرين المُحَرَّم وهو أنْ حسام الدِّين لاجين قتل الأميرين بتخاص وبكتوت الأزرق العادليَّين وكانا شهمْين شجاعين عزيزين عند العادل، فَلَمّا رَأَى العادل الهَوْشة خاف على نفسه وركب فرس النِّوْبة وساق ومعه هَؤُلَاءِ المماليك، فوصل فِي أنحس تقويم، كأنّه مقدم من الحلقة وعليه غبرة ودوابّهم قد شعثت وكَلّتَ والسّعادة قد ولّت عَنْهُ.
وأمّا لاجين فساق بالخزائن وركب فِي دَسْت المُلْك وساق الجيوش بين يديه وبايعوه ولم يختلف عليه اثنان وسلطنوه في الطريق.
وبعد يومين وصل إلى دمشق زين الدّين غلبك العادليّ ومعه جماعةٌ يسيرة من مماليك العادل. ولزِم شهاب الدِّين الحَنَفِيّ القلعة لمصالح السلطنة وتدبير الأمور.
وكان القمح فِي هذه المدّة بنحو مائةٍ وثمانين درهمًا.
وفي ثالث عشر صَفَر اشتهر بدمشق سلطنة الملك المنصور حسام الدّنيا والدّين لاجين. وأنّه خطب له بالقدس وغزة وكان العادل قد عزم على مراسلته، ثُمَّ بَطَل ذَلِكَ. وأقام هذه المدّة بالقلعة وأمر جماعة وأطلق بعض -[696]-
المكوس. ثُمَّ جاء الخبر بزينة صفد ودقِّ البشائر بها وكذلك الكَرَك ونابلس. فبعث العادل طائفةً مع طقصبا الناصريّ لكشف الأمر، فتوجّهوا فِي ثاني وعشرين صَفَر، فبلغهم فِي اليوم دخول السلطان الجديد القاهرة. فردوا.
واتّفق فِي يوم الرابع والعشرين وصول كجكن والأمراء من الرحبة، فلم يدخلوا دمشق، بل نزلوا بقرب مسجد القدم وأظهر كجكن سلطنة المنصور وأعلن بها. فخرج إليه أمراء دمشق طائفة بعد طائفة. وتوجّه أميران إلى القاهرة. فتحقّق العادل زوال مُلكه، فأذعن بالطّاعة وقال لهم: يا أمراء، هذا الرجل هُوَ خُشداشيّ وأنا فِي خدمته وطاعته. وحضر الأمير جاغان الحُساميّ إلى القلعة، فقال له العادل: أَنَا أجلس فِي مكانٍ بالقلعة حتى تكاتب السّلطان وتفعل ما يرسم به، فَلَمّا رَأَى الأمراء منه ذَلِكَ تركوه وخرجوا وتجمّعوا بباب الميدان وحلفوا لصاحب مصر. ورُكبت البُرُد بذلك. واحتفظ بالقلعة وبزين الدِّين كَتْبُغا وغُلّقت أكثر أبواب المدينة. ثُمَّ دُقّت البشائر وزُيّن البلد. واختفى الشهاب الحَنَفِيّ، ثُمَّ من الغد اجتمع القضاة بدار السّعادة وحلفت الأمراء بحضورهم وحضور سيف الدين غرلو العادليّ النّائب وأظهر السّرور وحلف وقال: أَنَا الَّذِي عيّنني للنيابة هُوَ السّلطان حسام الدين وإلا فأستاذي كان استصغرني. ثُمَّ إنّه سافر هو وسيف الدين جاغان.
ثُمَّ وصل كتاب السّلطان بأنّه جلس على كرسي المُلْك بمصر فِي يوم الْجُمُعَة عاشر صفر ويوم مُسْتَهَل ربيع الأوّل خُطب بدمشق له وحضر بالمقصورة القضاة والأمير شمس الدِّين الأعسر وكان قد قَدِمَ وسيف الدِّين كجكن وسيف الدين سندمر وغيرهم.
وفي تاسع عَشْر صفر كان ركوب السّلطان بمصر بالخلعة الخليفتية والتقليد الحاكمي.
وفي ثامن ربيع الأوّل توجّه من دمشق القاضي إمام الدِّين القزوينيّ، ثُمَّ القاضي حسام الدين الحنفي والقاضي جمال الدين المالكي.
وفي حادي عَشْر ربيع الأوّل وصل الأمير سيف الدِّين جاغان ودخل إلى القلعة هُوَ والحسام أستاذ دار وكان قد جاء إلى دمشق فِي التّحليف وسيف الدِّين كجكن وقاضي القضاة بدر الدِّين فتكلّم السّلطان كَتْبُغا مع -[697]-
الأمراء بالتُّركيّ كلامًا طويلًا وفيه عتب عليهم، ثُمَّ إنّه حلف يمينًا طويلة يقول فِي أولها: أقول وأنا كتبغا المنصوري إنني راض بالمكان الذي يُعيّنه السّلطان له ولا يُكاتب ولا يُسارر، ثم خرجوا من عنده. واشتهر أنّ المكان المعيَّن له صرخد. ولم تذكر في اليمين.
وجاء مع جاغان تولية الوزارة للصّاحب تقي الدِّين توبة بَدَل الحَنَفِيّ. وتولية أمين الدِّين ابن هلال نظر الخزانة وكان قد باشرها شهرًا التقي توبة بعد محيي الدين ابن النّحاس. وتولية الحسبة لأمين الدِّين يُوسُف الروميّ الإمام الحسامي صاحب الأيكي.
وفي سادس عَشْر ربيع الأوّل دخل دمشق الأمير سيف الدِّين قبجق المَنْصُورِيّ على النيابة.
وفي جُمَادَى الأولى وُلّي قضاءَ الشَّام إمامُ الدين القزويني عوض ابن جماعة ووُلّي ابن جماعة تدريس القَيْمُريَّة عِوَض إمام الدين وولي الشد جاغان وممن سافر إلى مصر للهناء، تقي الدين توبة والملك الكامل.
وولي نظر الدواوين فخر الدين ابن الشيرجي عوضًا عن أمين الدين ابن صصرى.
وسار الأعسر إلى مصر فوُلّي بها الوزارة مع الشّدّ وسُلِّم إليه ابن الخليليّ فصادره.
وفي شعبان قدم الشريف زين الدين ابن عدنان بنظر الدواوين وصُرف ابن الشيرجيّ. ثُمَّ جاء توقيع بذلك لأمين الدين ابن هلال. وولي مكانه الخزانة أمين الدين ابن صصرى.
وحجّ بالشاميّين الأمير كُرْجي وحجّ الأميران المطروحيّ وبهادر آص، ثم باشر فخر الدين ابن الشيرجي نظر الخزانة بدل ابن صصرى.
وكان السّلطان حسام الدِّين قد استناب بالديّار المصرية قُراسُنْقُر ثم قبض عليه فِي نصف ذي القعدة واستناب مملوكه منكودمر الحُساميّ، ثُمَّ مُسِك الأعسر فِي ذي الحجّة واحتيط على حواصلهما.