-سنة خمس وتسعين وستمائة

أُرسل إلى الديّار المصريّة غِلالٌ كثيرة بسبب القحط.

وفي ثاني عَشْر المُحَرَّم كُتب كتاب من مصر فقدِم دمشقَ فِي أواخر الشهر، فِيهِ أنّ الأردب بلغ مائةً وعشرين درهمًا وأنّ رطل اللّحم بالدمشقيّ بسبعة دراهم وأنّ اللّبن رطلٌ بدرهمين والبيض ستّ بيضات بدرهم ورطل الزَّيت بثمانية دراهم وقلت المعائش بحيث أنّ البزّاز يبقى عشرين يَوْمًا لا يبيع بدرهم وقد أفنى الموت خلقًا كثيرًا وأمّا الشَّام فلم يكن مرخصًا وتوقّف المطر به وفزع النّاس واجتمعنا لسماع " الْبُخَارِيّ "، ففتح الله بنزول الغيث.

وفي سْلخ صَفَر جاءت أخبار مصر بالغلاء وأنّ الخبز كلّ خمس أواقٍ -[692]-

بالدّمشقيّ بدرهم. وأنّ جماعة عُزِّروا بسبب بيع لحم الحمير والكلاب مطبوخًا.

وأمّا القمح بدمشق فأبيعت الغرارة بمائة وأربعين إلى وخمسين درهمًا. وبيع اللّحم بأربعة دراهم.

وأمّا الوباء بمصر فيقال: أُحصي من مات فِي صَفَر فبلغوا مائة ألف وسبعةً وعشرين ألفًا والله اعلم بصحّة ذَلِكَ.

وفي نصف ربيع الأوّل جاء الخبر من مصر بأنّ الأردبّ بمائة وستّين درهمًا وأنّ الخبز بالمصريّ كلّ رطْلٍ ونصف بدرهمٍ وأنّه أُحصي من مات من أول يوم من ربيع الأوّل إلى اليوم السادس فبلغوا خمسة وعشرين ألفًا.

وفيه قَدِمَ من الشرق نحوُ مائة فارس من التتار بأهليهم مقفرين، فسافر بهم الأمير شمس الدِّين قُراسُنقُر المَنْصُورِيّ إلى القاهرة.

وفي ربيع الآخر وصلت غرارة القمح بدمشق إلى مائة وثمانين درهمًا.

وفيه بَلَغَنا أنّ الشهاب مفسّر المنامات بالقاهرة تغير عليه أميره القائل به الطْبرس ونهب داره وطلب ولده الكبير عبد الرحمن، فهرب وألقى نفسه من مكانٍ عالٍ لينهزم، فبقي أيّاما ومات. ورسم لشهاب الدِّين بالانتقال إلى الشَّام، فتحوّل بأهله وأولاده.

وفيه ظهر بدمشق قتلُ جماعةٍ من حُرّاس الدّروب فِي كلّ ليلة واحدٌ أو اثنان، حَتَّى قُتل أكثر من عشرة، فاحترز الوالي وغلقت الدروب وجددت شرائج في أماكن. وخفي الأمير أيّامًا، ثُمَّ ظفروا بحرفوشٍ ناقص العقل، فقُرِّر فاعترف بأنّه كان يأتي الحارسَ وهو نائم فيدق على يافوخه بزلطة فيقتله لوقته فسمروه، ثم خنق.

وجاءت الأخبار بأنّ الوباء والمرض بالإسكندريّة قد تجاوز الوصف وأنّ الفَرُّوج أُبيع بها بستّةٍ وثلاثين درهمًا وأنّه بالقاهرة بقريب العشرين. وأنّ البيض بالقاهرة ثلاثة بدرهم. وهلكت الحمير والقطاط والكلاب ولم يبق حمار للكراء إلا في النادر.

وفي جمادى الأولى انحط السعر بدمشق، فأبيع القمح غرارة بمائة درهم.

وفيه توفي بالقاهرة قاضي القضاة تقيّ الدّين ابن بِنْت الأعزّ ووُلّي -[693]-

القضاء بعده الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد.

وفي جُمَادَى الآخرة اشتدّ الغلاء بدمشق حَتَّى بلغت الغرارة مائةً وثمانين درهمًا. وبِيع الخبز عشر أواق بدرهم. ثم تناقص شيئًا وأما مصر فوصلت الأخبار بالرّخص وذهاب الوباء ولله الحمد وأن الإردب نزل إلى خمسةٍ وثلاثين درهمًا. ثُمَّ جاءت الأخبار بنزوله إلى خمسةٍ وعشرين درهمًا وأمّا الحجاز فكان شديد القحط، فيقال إنَّ غرارة القمح بلغت بالمدينة إلى ألف درهم.

وفي شعبان درَّس بالحنبليّة بعد موت ابن المنجى ابن تيمية شيخنا.

وفي رمضان قدمت والدة سلامش ابن الملك الظّاهر من بلاد الأشكريّ إلى دمشق، فنزلت بالظاهرية، ثم توجهت إلى مصر.

ومات المسعوديّ الأمير ببستانه وجاء بعده على ديوان نائب المملكة حسام الدِّين لاجين مملوكه الأمير سيف الدين جاغان.

وحج بالشاميين بهادر العجمي.

وفي ذي القعدة قَدِمَ السّلطان الملك العادل بالجيش وزُيِّنت دمشق لمجيئه وصلّى بمقصورة الخطابة وكان أسمر، مدوّر الوجه، صغير العين، قصيرًا، فِي ذقنه شعرات يسيرة وله رقبة قصيرة وكان يوصف بالشجاعة والإقدام والدّين التّامّ وحُسن الخُلق وسلامة الباطن والتّواضع وتَرْك الفواحش وعدم السَّفْك للدّماء وقلّة الظُّلم. لكنّه كان يَضْعُف عن حمل أعباء المُلْك ويُعوِزُه رأيٌ وحزمٌ ودهاء، مع ما فِيهِ من التّقوى وحُسْن الطوية.

وقدِم معه الوزير ابن الخليليّ فولّي قضاء الحنابلة القاضي تقيّ الدِّين سُلَيْمَان وخُلع عليه وعلى بقيّة القضاة وعلى الوزير تقيّ الدِّين توبة وعلى قاضي العساكر المنصورة نجم الدِّين وعلى أخيه الصاحب أمين الدين وعلى المحتسب شهاب الدِّين الحَنَفِيّ وعلى الأمراء.

وعُزِل من الوكالة تاج الدين ابن الشيرازي وصودر وولي مكانه نجم الدين ابن أبي الطيب.

ورُسِّم على أَسَنْدُمُر والي البرّ وعلى المشدّ شمس الدِّين الأعسر وعلى جماعةٍ من الدّواوين وصودروا. -[694]-

وولي البر علاء الدين الجاكي.

وطُلب من كلّ الدّواوين جامكيّة سنة وأُخِذ مبلغ من شهاب الدين ابن السَّلعوس وصودر الوالي ابن النّشّابيّ. واحتيط على دار الأعسر وباع فِي المصادرة جملةً من أملاكه، حتى صودر المجير الضراب وضرب وكثر العسف من الصاحب ابن الخليليّ وداخَلَه ابنُ مزهر ولازمه وكشف له الأمور، ثُمَّ إنَه سلّطه اللَّه عليه، فأخرق به ورسم عليه.

وقدمِ صاحب حماة للخدمة وصلّى الْجُمُعَة بالمقصورة إلى جانب السّلطان وبعده أمير سلاح بدر الدِّين وعن يسار السّلطان الشَّيْخ الكبير حَسَن بْن الحريريّ وأخواه، ثُمَّ نائب المملكة حسام الدِّين لاجين، ثُمَّ نائب دمشق عزَّ الدِّين الحَمَويّ، ثُمَّ بدر الدِّين بَيْسريّ، ثُمَّ قراسُنْقُر المَنْصُورِيّ، ثُمَّ الحاجّ بهادُر وخلع على ابن جماعة خلعة خطب بها وسلم عليه السلطان. ثُمَّ زار المُصْحَف ولعِب من الغد بالكرة.

ثُمَّ استناب على الشَّام سيف الدِّين غُرْلُو مملوكه وهو شابّ أشقر من أبناء الثّلاثين وأعطى الحموي خبز غرلو بمصر ثم أعطى شهاب الدِّين الحَنَفِيّ وزارة دمشق. وعزل تقيّ الدين البيع.

وتوجّه السّلطان إلى جُوسِيَة بالجيش وأقام بالبريّة أيامًا. ودخل حمص ونزل بمرجها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015