فِي المحرَّم دخل دمشقَ نائبُ المملكة حسام الدّين طُرُنْطاي فِي تجمُّل زائد لا يدخله إلًا ملك، ثمّ سار لحصار صهيون وبُرْزية وانتزاعهما من سُنْقُر الأشقر، وتوجّه معه الشّاميّون بالمجانيق، وقاسوا مشقَّةً وشدّة من الأوحال. وتهيّأ سُنْقُر الأشقر للحصار ونازله الجيش.
ثمّ توجّه بعد أيّام نائبُ دمشق حسام الدّين لاجين لحصار برزية، فافتتحه بلا كلْفة، ووجد فِيه خيلًا لسُنْقُر الأشقر، فلمّا أُخذ ضعُفَت همّة صاحبه، وأجاب إلى تسليم صهيون عَلَى شروطٍ يشترطها، فأجابه طُرُنْطاي وحَلَف لَهُ بما وثق بِهِ. ونزل بعد حصار شهر وأُعين عَلَى نقل ثقله بجمال وظَهْر وحضر بعياله ورخته فِي صُحْبة طُرُنْطاي إلى خدمة الملك المنصور، ووفى لَهُ طُرُنْطاي وذبّ عَنْهُ أشدّ ذَبّ، وأُعطي بمصر مائة فارس، وبقي وافر الحُرمة إلى آخر الدولة المنصورية.
وفي ربيع الأوّل قدم ابن الخُويّي عَلَى الشّام قاضيًا، وناب لَهُ الشّيْخ شَرَفُ الدّين ابن المقدسي.
وفي شعبان درّس صفيّ الدّين الهنديّ بالرّواحيّة.
وفيها طُلب السّيف أَحْمَد السّامرّيّ إلى مصر، فطلبوا منه أن يبيع للسلطان قرية جزرما، فقال: وقفتُها وكان ناصر الدّين ابن المقدسيّ قد سافر إلى مصر، فتحدّث مَعَ الشُّجاعيّ في أمر ابنة الملك الأشرف ابن العادل وأنّ أباها خلف لها أملاكا، ً فباعَتْها حالَ كَوْنها سفيهة تحت الحَجْر، فتكلّموا في ذلك -[423]-
ليتمّ لهم سَفَهُها وتستعيد الأملاك، ثمّ يرشّدونها ويشترون منها بعد ذَلِكَ. فعملوا محضرًا، فشهد فِيهِ الزَّيْن والد عَبْد الحقّ- وكان يخدمها- وخادم يصبو عن القضيّة وطشْتدار. ثمّ ذكر القاضي زين الدين ابن مخلوف أنّ السّلطان شهِد عنده بذلك. ثمّ أحضروا السّامرّي وأثبتوا المحضر فِي وجهه، وأبطلوا ما اشتراه منها، وذلك ربع جِزرما. ثمّ ادَّعوا عَلَيْهِ بالمُغلّ، فأخذوا منه حصّته بالزّنبقية وهي سبعة عشر سهمًا، وأخذوا منه مائة ألف درهم، وتركوه مُعْثِرًا. ثمّ طلبوا شريكه فِي جزرما نصر الدّين ابن الوجيه بْن سُوَيد، وشرعوا فِي طلب رؤساء دمشق فِي مثل ذَلِكَ. فسار عَلَى البريد عزّ الدّين ابن القلانسي، وشمس الدين بن يمن.
ودرس بدار الحديث القوصية " مختصر النواوي ".