-سنة ثلاث وسبعين وستمائة

فِي صفر توجّه السّلطان إِلَى الكَرَك على الهُجْن وكان قد وقع بها بُرْج أحبّ أن يُصَلّح بحضوره.

غزوة سِيس

دخل السّلطان ـ عَزَّ نصْرُهُ ـ دمشق فِي آخر شعبان، ثُمَّ سار إِلَى سِيس وعبر إليها من الدّربَنْد، فافتتحها وأخذ أياس وأذَنَة والمصّيصَة فِي العشْر الأخير من رمضان وبقي الجيش بها شهرًا وقتلوا وأسروا وسبوا خلائق وغنموا. وبقي السّلطان بجسر الحديد إِلَى أواخر ذي القعدة.

ذكر استيلاء بيت لاون على سيس والثغور

قَالَ العماد الكاتب: كَانَتْ هَذِهِ البلاد يحميها متملّك الرّوم ويحفظها، فاستولى عليها مليح بْن لاون النَّصْرانيّ، قَالَ: وذلك لأنّ السّلطان نور الدّين محمود بن زنكي كان يشدّ منه ويقوّي جأشه وكان كما يُقَالُ: قد سلَّط الكَفَرَة على الفجرة. فَلَمَّا تقوّى مليح بْن لاون وجّه صاحب الرّوم جيشًا، فكسرهم ابن لاون وأسر من مُقَدَّميهم ثلاثين نفسًا. وذلك فِي ربيع الآخر سنة ثمانٍ وستّين -[199]-

وخمسمائة. فبلغ ذلك نورَ الدّين، فأرسل خَلَعَ عليه وكتب إِلَى الخليفة يعظّم أمره ويقول: إنّ مليح بْن لاون الأرمنّيّ من جُملة غلمانه وأنّه كسر الرّوم ويمتّ على الدّيوان بهذا. ومن هَذَا الوقت تملّك هذا التكْفُور هَذِهِ البلاد نيابةً عن نور الدّين لا غير واستمرّ على ذلك.

وبلاد سيس هَذِهِ تُعرف بالدروب وتعرف بالعواصم وبها كان الرباط والمثاغرة وكان أمرها مضافًا إِلَى مملكة مصر.

وقد افتتح أحمد بن طولون هذه البلاد فأخذها من سيما الطويل وفي أيام كافور الإخشيذي حصل التهاون فِي أمر الثّغور، فقصدها الملك تكفور ويقال: تقفور الرّوميّ، لعنه اللّه، فَعَصَتْ عليه، فحرّق قُراها وقطّع أشجارها، فبعث كافور نجدةً لها.

والشّرح فِي ذلك يطول وليس هَذَا موضعه وللمولى محيي الدين ابن عَبْد الظاهر فِي هَذِهِ النَّوبة:

يا ملكَ الأرض الَّذِي جيشُهُ ... يملأ من سِيسَ إِلَى قوص

مصيصة التكفور قالت لما ... بالله إفرادي وتخصيصي

كم بدن فصله سيفك الـ ... ـفراء والأكثر مصيصي

وفي شعبان وقع رمل عظيم بالموصل وظهر من القِبْلة وانتشر يمينًا وشمالًا حَتَّى ملأ الُأفُق وعُمِّيت الطُّرُق، فخرج الخلْق إِلَى ظاهر البلد وابتهلوا إلى الله واستغاثوا إلى أن كشف ذلك عنهم.

وَفِي ربيع الآخر قُتِلَ بغَرْنَاطَة الزِّنديق الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الصّفّار، قتلوه رجْمًا بالحجارة بأمر السّلطان محمد ابن السّلطان مُحَمَّد بْن يوسف بْن نصْر صاحب الأندلس، وكتب بذلك إلى المَريَّة يُعْلمِهُمُ بكُفْره ويُحذّرهم من سلوك سبيله. وَفِي الكتاب: " إنّه كان يفضّل إِبْرَاهِيم وعيسى على نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ كان يفضّل الوليّ على النّبيّ ويستحل المحرّمات " وَفِي الكتاب: " وإنّ هَؤُلَاء الكفرة، يعني أصحاب إِبْرَاهِيم الصّفّار، تلاعبوا بالدّين واعتقدوا الولايةَ فِي كثير من الفُسّاق المكِبّين على الكبائر، كالمشَوْرب المشهور وأبي زيدان -[200]-

وأشباههما من سخفاء المجانين أو المجان ". وهذا فِي مجلّد بخط أبي الْوَلِيد المالكيّ.

وفيها كان القحط المُفْرِط باليمن، حَتَّى أكلوا الميتات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015