-سنة أربع وستّين وستّمائة

فيها ظهر للناس موت الطاغية هولاكو.

وفيها سُمِّر على الْجِمال أحدٌ وعشرون نفسًا من مُقدَّمي العُربان بالشّرقيّة من ديار مصر، وسيروا مسمرين إلى بلادهم فماتوا.

وفي أوّل شعبان برز السّلطان من مصر لقصد صفَد، فنزل عين جالوت بعد أن زار الخليل عليه السّلام، وجلس على سِماطه وأكل من العَدْس حتّى شبِع وفرَّق مالًا جليلًا في أهل بلد الخليل وفي الفقراء، وتوجَّه إلى القُدس الشَّريف وبَلَغه أنّ العادةَ جاريةٌ بأنّ يؤخذ من اليهود والنّصارى حقوقٌ على زيارة مغارة الخليل عليه السّلام، فأنكر ذلك وكتب به توقيعًا قاطعًا، واستمرّ منْعُهم وإلى الآن، فلله الحمد، وجهزّ الأمير سيف الدّين قلاوون الألْفيّ والأمير جمال الدّين أيْدغْديّ العزيزيّ للإغارة على بلاد السّاحل، فأغاروا على بلاد عكّا، وصور، وطرابُلُس، وحصن الأكراد، فغَنِمُوا وسبوا ما لا يَنْحصر.

ثمّ نزل السّلطان على صفد في ثامن رمضان، ونُصِبت المجانيق وآلات الحصار، ووقع الجدّ والحصار والقتال، ونُصِبت السّلالم على القلعة وسُلِّطت النصوب على الأساس واشتد المراس، وصبر الفريقان على الباس، والسّلطان مباشرٌ ذلك بنفسه، فذلّ أهل الحصن وطلبوا الأمان والإيمان، فأَجْلَسَ السّلطانُ في دَسْت المملكة الأمير سيف الدّين كرمون، وكان يشبه الملك الظّاهر، فنزلت رُسُلهم فاستحلفوه، فحلف لهم وهم لا يشكّون أنّه السّلطان، وكان في قلب الملك الظاهر منهم لما فعلوا بالمسلمين، فلمّا كان في يوم -[16]-

الجمعة ثامن عشر شوّال طلعت أعلام السّلطان على صفد، وأنزل من بها من الدّيويّة وغيرهم، وكان قد وقع الشّرط على أنّهم لا يأخذون شيئًا من أموالهم، فاطّلع عليهم أنّهم أخذوا شيئًا كثيرًا، فأمر السّلطان بضرب أعناقهم عَلَى تلٍّ هناك وكانوا نحو مائتين أقيالًا أبطالًا فيهم أولاد ملوك، ثمّ حصّنها وعمّرها وشَحَنَها بالرّجال والأسلحة والعساكر، واستناب عليها علاء الدّين الكُبَكيّ.

قال سعْد الدّين في " تاريخه ": الّذي قيل إنّه قُتِل من العسكر نحو ألف نفْس عليها، ومن الغُزاة والرّعيّة كثير، والجرحى فكثير، وقاسوا عليها شدّة.

وحكى العَلَم سَنْجَر الحَمَويّ أنه قتل على صفد قريب ثمانمائة فارس ممن نعرف، منهم أمراء وخاصكية.

ووصلت رُسُل صاحب سِيس فلم يلتفت عليهم السّلطان، وجهّز لها عسكرًا فأغاروا وسبوا وأسروا خلْقًا، منهم ابن صاحب سِيس وابن أخته، وكان مقدَّم العسكر صاحب حماة وشمس الدّين الفارقاني، وخرج السّلطان لتَلَقّيهم، فمرّ بقارَه، في ذي الحجّة فأمر بنهْبها واستباحتها وأسر منها أكثر من ألف نفْس ووسّط الرُّهْبان وصُيِّرت كنيستُها جامعاً وأنزلها التركمان وغيرهم ومن سلم منهم، وذلك لأنّهم كانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم ببلاد الفرنج بالسّاحل، ثمّ رجع السّلطان والأسْرى والغنائم الّتي من سِيس وقارَه بين يديه، وسارَ إلى الكَرَك في أوّل سنة خمسٍ.

وكان قد استناب على الدّيار المصريّة الأمير عزّ الدّين الحِلّيّ، فجلس في ذي الحجّة بدار العدل، فجاء إنسانٌ ومعه قَصَّةٌ، وتقدَّم بها إلى الحلي، ثم وثب عليه بسِكّين معه فجرحه، فقام إليه والي القاهرة الصّارم المسعوديّ ليدفعه عنه، فضربه بتلك السّكين فقتله، وقام الحلي جريحا والوزير وقاضي القُضاة تاج الدّين وقَتَلت الْجُنْداريّة ذلك الرجل ولم يتحقق له خبر.

وفيها أمر السّلطان بعمل جسْر على الشّريعة بقُرب دامية، فلمّا تكامل بنيانه اضطّرب بعض أركانه ثم أصلح.

وفيها أخرج السّلطان من مصر سبيلًا إلى مكة.

وفيها توجّه صاحب الرّوم رُكْن الدّين كَيْقُباذ والبرواناه بهديّةٍ وتُحَفٍ وهنَّوا أَبْغَا بالمُلْك، ثمّ عاد رُكْن الدّين وتخلَّف مُعين الدين البرواناه، فتكلم مع -[17]-

أبغا وقال: هؤلاء بنو سلجوق أصحاب الرّوم ما يؤمَنوا، وربّما لرُكْن الدّين باطنٌ مع صاحب مصر، فقال أبغا: قد ولّيْتُك نيابةَ الرُّوم، فإنْ تحقّقت أحدًا يُخالف طاعتي فَاقْتُله، ثمّ إنّ البرواناه افتتح قلعةً لأبْغا، فعظُم بذلك عنده، وتخوف منه ركن الدّين كيقباذ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015