فيها تردّدت الرُّسُل بين الصّالح إِسْمَاعِيل وبين ابن أخيه الصّالح نجم الدّين، فأطلق ابنه الملك المغيث من حبس قلعة دمشق، فركب المغيث وخطب للصّالح نجم الدّين بدمشق. ولم يبق إلّا أن يتوجَّه المغيث إلى مصر، ورضي صاحب مصر ببقاء دمشق عَلَى عمّه ومشي الحال، فأفسد أمين الدّولة وزير إِسْمَاعِيل القضيّة وقال لمخدومه: هذا خاتم سُلَيْمَان، لا تخرجه من يدك تعدم المُلْك.
فتوقَّف ومنع الملك المغيث من الركوب. وشرع الفَساد، وكاتب الصّالح نجم الدّين الخَوارزميّة فعبروا، وانقسموا قسمين، فجاءت طائفة عَلَى البقاع، وجاءت طائفة عَلَى غوطة دمشق، فنهبوا فِي القُرى وسبوا وقتلوا. وحصَّن الصّالح إِسْمَاعِيل دمشق وأغلقت، فساروا إلى غزة.
قال شمس الدين ابن الجوزيّ: ودخلتُ تِلْكَ الأيّام إلى الإسكندريّة، فوجدتها كما قَالَ اللَّه تعالى: " ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعينٍ " معمورة بالعلماء والأولياء كالشّيخ مُحَمَّد القبّاريّ، والشّاطبيّ، وابن أبي الشامة. ووعظت بها مرتين.
وفيها حاصر صاحب حمص عَجْلُون، وقُتِل من أصحابه يوم الزحف نحو -[346]-
ثلاثمائة. ويقال: أنفق على الحصار أربعمائة ألف دينار، ولم يقدر عليها فترحّل عَنْهَا.
وجاءت بدمشق الزّيادة العظمى، فوصلت إلى جامع العقيبة.
وفيها استولت التّتار عَلَى بلاد الروم صُلحًا مَعَ صاحبها غياث الدّين بأن يحمل إليهم كلّ يومٍ ألف دينار، وفَرَسًا، ومملوكًا، وجاريةً، وكلبَ صَيْد. وكان ذَلِكَ بعد وقعةٍ كبيرة بين التّتار والمسلمين، فانكسر المسلمون فِي المحرَّم وقُتِل الحلبيّون، وكانوا فِي المقدّمة، فلم يَنْجُ منهم إلا القليل.
وحاصرت التّتار قيصريّة، واستباحوا سيواس. ثم افتتحوا قيصريّة واستباحوها. وكان صاحب الروم شابًّا لعّابًا ظالمًا، قليل العقل، يلعب بالكلاب والسباع، فعضه سبع فمات. وأقامت التتار شحنة بالروم.
وفيها أُهلك الرفيع قاضي دمشق وصودر أعوانه، وولي القضاء محيي الدين ابن الزكي.
وفيها حج بالعراقيين الأمير مجاهد الدين أيبك الدُّوَيْدار ومعه والده المستعصم بالله، وجرَّد معها أربعمائة مملوك. وكان مع الدويدار أربعمائة فارس، ومع قيران مائتان وأربعون فارسًا. وكان عدّة السّبلانات اثني عشر سبيلًا.
وحدث المولى شمس الدّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَريّ فِي " تاريخه " عن والده أنّه حجّ فِي هذا العام من بغداد، وعُدَّت جِمال الرَّكْب جميعُها عند مدائن عَائِشَة فكانوا زيادة عَلَى مائة وعشرين ألف جمل. وكان مَعَ الدُّوَيْدار ستُّون ألف دينار، وستّة آلاف خلعة، الخلعة ثوب وزميطيّة وشبختانيّة ليفرّقها على العربان والمحاويج. وعطشنا في الطريق.
قلت: وأعطى السّلطان إِسْمَاعِيل الفرنجَ أماكن، ودخلوا القدس وضربوا الصّخرة، كسروا منها قطعتين، ورموا عليها الخمر، وذبحوا عندها خنزيراً. فأعطاهم قرى عدة، وطبرية، وعسقلان فعمروا قلعتيهما. قال ابن -[347]-
واصل: فمررت بالقدس، فرأيت القُسوس وقد جعلوا عَلَى الصُّخرة قناني الخمر للقُربان.
قلت: وكان قد أعطاهم قبلها صفد، والشقيف، فواغوثاه بالله!