قَالَ ابن الأثير في " كامله ": فيها عُمّرت مدينة عَلَى السّاحل باليمن، وسُمّيت الأحمدية، وأُخربت مرباط وظفار، خَرّبهما صاحبهما محمود بْن مُحَمَّد الحِمْيَريّ صاحب حضرموت. وكان مبدأ ملكه في سنة ستمائة، ومن شأنه أنّه كَانَ لَهُ مركب يُكرِيه للتّجار، ثُمَّ توصّل إِلى أنْ وَزَر لصاحب مرباط. وكان ذا كَرَمٍ وشجاعة. ثُمَّ ملك مرباط بعد موت صاحبها، فأحبّه أهلها لحُسن سِيرته. وبنى هذه المدينة وعندها عين عذبة كبيرة، ثُمَّ حصَّنها وحَفَر خندقها، وكان يحبّ المديح.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها وصل الفيل إِلى دمشق ليحمل هدية إلى صاحب الكرج.
وفيها وُلد المَلِك العزيز مُحَمَّد بْن الظّاهر صاحب حلب.
وفيها قدم الملك الظافر خضر ابن السلطان صلاح الدّين من حلب ليحجّ، ورحل بالرَّكْب من بُصْرَى، فسلكوا طريق تَيْماء، فدخلوا المدينة وأحرم بالحجّ، فلمّا وصل إِلى بدر رُدَّ من الطّريق.
قَالَ أَبُو المظفَّر السِّبْط: كَانَ يعقوب ابن الخيّاط معه، فلمّا وصل إِلى بدر وَجَد عسكر الكامل ابن عمّه قد سبقه خوفًا عَلَى اليمن. فقالوا لَهُ: ترجع. فَقَالَ: قد بقي بيني وبين مكَّة مسافة يسيرة، والله ما قصْدي اليمن، فقيِّدوني واحتاطوا بي حتّى أحجّ وأرجع! فلم يلتفتوا إِلَيْهِ وردّوه، قَالَ يعقوب: ورجعت معه ولم أحج. -[28]-
قَالَ أَبُو شامة: وحكى لي والدي، وكان قد حجّ معهم، قَالَ: شُقّ عَلَى النّاس ما جرى عَلَيْهِ، وأراد كثير منهم أن يقاتلوا الذين صدّوه عَنِ الحجّ، فنهاهم وفعلَ ما فعلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صُدّ عَنِ البيت، فقَصَّر عَنْ شَعْره، وذبح ما تيسّر، ولبس ثيابه، ورجع وعيون الناس باكية، ولهم ضجيج لأجله.
وفيها حُفر خندق حلب، فظهر قِطَع ذَهَب وفضَّة، فكان الذَّهَب نحو عشرة أرطال صوريّ، والفضَّة بضعة وستّين رِطْلًا، وكان عَلَى هيئة اللبن.
قَالَ أَبُو شامة: فيها ورد الخبر بخلاص خُوارزم شاه من أسر التّتار وعَوده إِلى مُلكه، وذلك أَنَّهُ كَانَ منازلًا لطوائف من التّتار بعساكره، فخطرَ لَهُ أن يكشف أمورهم بنفسه، فسار ودخل عسكرهم في زِيّ التّتر هُوَ وثلاثة، فأنكروهم وقبضوا عليهم، وضربوا اثنين فماتا تحت الضَّرْب، ولم يقرّا ورَسَّموا عَلَى خوارزم شاه ورفيقه، فهربا في الليل.
وفي المحرَّم قُتِلَ أيدغمش صاحب هَمَذان والرّيّ. وكان قد قَدِمَ في سنة ثمانٍ فأنعموا عَلَيْهِ، وأعطاه الخليفة الكوسات، وجهّزه من بغداد إِلى هَمَذَان، فبيّته التُّركمان وقتلوه، وحملوا رأسه إِلى منكلي، فعظُم قتلُه عَلَى الخليفة. وتمكّن منكلي من الممالك، واستفحل أمره.
وفي ذي الحِجَّة وُلد المَلِك العزيز بحلب من ضيفة بنت العادل، قَالَ ابن واصل: فزُيّنت حلب، فصاغ لَهُ عشرة مهود من الذهب والفضة، ونسج للطفل ثلاث فرجيات من اللؤلؤ والياقوت، ودرعان، وخَوذتان، وبركسطوان من اللّؤلؤ، وغير ذَلِكَ، وثلاثة سروج مجوهرة، وثلاثة سيوف غلفها بالذهب والياقوت، ورماح إستها جوهر منظوم، وفرحوا بِهِ فرحًا زائدًا.