ومما تم فيها:
فيها عَزَلَ النَّاصرُ لدين الله ولَدَهُ أبا نصر محمدًا عَنْ ولاية العَهْد، بعد أن خُطِب لَهُ بولاية العَهْد سبع عشرة سنة، ومالَ إِلى ولدِهِ عليٍّ وَرَشَّحَهُ للخلافة، فاختُرِمَ في إبّان شَبَابه، فاضطُّرَّ النَّاصر إِلى إعادَة عُدَّة الدين أَبِي نصر وهو الخليفة الظَّاهر.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها وقعَ حَرِيقٌ عظيمٌ بدار الخلافة لم يُرَ مثله، واحترقت جميع خِزانة السِّلاح والأمتعة وقُدور النفط. ثُمَّ قَالَ: وقيمة ما ذهب ثلاثة آلاف دينار وسبعمائة ألف دينار.
قَالَ: وفيها أخذت الفرنج النساء من عَلَى العاصي بظاهر حماه، فخرج المَلِك المنصور إليهم، وثبت وأبلى بلاءً حَسَنًا، وكُسِرَ عسكره وثبت هو، ولولا وقوفه لراحت حماة.
وفيها كانت جموع الفرنج نازلين بمرج عَكّا، والملك العادل بجيوشه نازل في قِبالتهم مُرابِطهم، والرسل تتردّد في معنى الصلح، ثُمَّ آخر الأمر تقررت الهُدنة مُدةً بأن تكون يافا لهم ومَغَلّ الرَّملة ولُدّ، ثُمَّ تَرَحَّل العادل إلى مصر، وتفرقت العساكر إلى أوطانهم.
وفيها أغارت الفرنج عَلَى حِمْص، وقتلوا وبَدَّعوا، وردوا غانمين.
وفيها بَعَثَ صاحبُ حماه عسكرًا فحاصروا المرقِب وكادوا يفتحونه، لولا قتْل أميرهم مبارز الدين أقجا، جاءه سهم فقتله. -[8]-
ثُمَّ في أواخر العام أغارت فرنج طرابلس عَلَى جَبلَة واللاذقية، وكان عليها عسكر الحلبيين، فهزمتهم الفرنج، وَقُتِلَ من المسلمين خَلْقٌ، وحصَل الوهن في الإسلام، وطمعت الملاعبين في البلاد، فأهَمَّ العادلَ أمرُهم، ثُمَّ خرجَ من مصر في سنة ثلاث وستمائة، وأسرع حتى نازلَ عَكّا، فصالحهُ أهلُها عَلَى إطلاق جميع ما في أيديهم من أسرى المسلمين، فقبل الأسرى وتَرَحَّل عنهم، ثُمَّ قَدِمَ دمشق وتهيّأ للغزاة، وعَلِمَ أنَّ الفرنج عدوٌ مَلْعون، وسارَ حتى نَزلَ عَلَى بُحيرة قَدَس، واستدعى العساكر والملوك فأقبلوا إِلَيْهِ، وأشاع قَصْد طرابلس، ثُمَّ سار فنازل حِصْن الأكراد، وافتتح منه برجاً، وأسر منه خمسمائة، ثُمَّ توجّه إِلى قلعةٍ قريبة من طرابلس وحاصرها فافتتحها، ثُمَّ سار إِلى مدينة طرابلس فنازلها، ونصب عليها المجانيق، وقطع جميع أشجارها، وخرب أعمالها، وقطعوا عنها العَيْن، وبقي أيامًا إِلى أن أيِسَ من جُنده فشلا ومللا، فعادَ إِلى حمص، فبعث إِلَيْهِ صاحب طرابلس يخضع لَهُ، وبعث له هدايا وثلاثمائة أسير، والْتمس الصُّلْح فصالحه، وذلَّت لَهُ الفرنج ولله الحمد.
وفيها حَجَّ من الشام صارمُ الدِّين بُزغش العادلي، وزين الدين قراجا صاحب صرخد.
وقال العز النَّسّابة: فيها تَغَلَّبت الفرنج عَلَى القسطنطينية وأخرجوا الرُّومَ منها بعد حَصْر وقَتْل، وحازوا مملكتَها وانتهبوا ذخائِرَها، ووصلَ ما نُهِبَ منها إلى الشام وإلى مصر.
وقال مُحَمَّد بْن مُحَمَّد القادسِيُّ في " تاريخه ": إنّ امرأةً بقَطفْتا ولدت ولدًا برأسين وأربعة أرجل ويدان، فتوفي، وطيف به.
وفيها كَانَ خروج الكُرْج عَلَى بلاد أَذْرَبيجان فعاثوا وقتلوا وسَبوا، واشتدّ البَلاءُ، ووصلوا إِلى أعمال خِلاط، فجمعَ صاحب خِلاط عسكرَهُ، ونَجَدَهُ عَسْكر أَرْزن الروم، فالتقوا الكرْجَ، فنصرهم الله عَلَى الكُرْج - لعنهم الله - وقُتِلَ في المصافّ مُقَدّم الكُرْج، وغَنِمَ المسلمون وقَتَلُوا مقتلة كبيرةً.