قال سِبْط ابن الجوزيّ: فيها سار نور الدّين صاحب الموصل إِلَى تلْعفر، فأخذها وكانت لابن عمّه قطب الدين ابن عماد الدّين صاحب سِنْجار، فاستنجد القُطْب بالملك الأشرف جاره فجمع جَمْعًا كثيرًا وساق، فعمل مُصافًّا مع صاحب الموصل فكسره الأشرف، وأسر جماعة من أمرائه، -[954]- منهم مبارز الدّين سُنْقُر الحلبيّ، وابنه غازي، ثُمَّ اصطلحا فِي آخر السّنة، وتزوَّج الأشرف بأخت نور الدّين، وهي السّتّ الأتابّكيَّة صاحبة التربة بقاسيون.
وفيها احترقت خزانة السلاح بدمشق، وذهب جميع ما كان فيها.
وفيها أُخِذت العملة المشهورة من مخزن الأيتام بقَيسارية الفرش لأيتام الأمير سيف الدّين ابن السّلاّر، ومبلغها ستَّة عشر ألف دينار، وبقيت سِنين، ثمّ ظهرت على ابن الدُّخينَة، وقد حُبِس بسببها جماعة.
وَفِي رمضان توجّه أسطول الفِرنج - لعنهم اللَّه - من عكّا فِي البحر عشرون قطعة، ودخلوا يوم العيد من فم رشيد فِي النّيل إِلَى بُليدة فُوَّة، فنهبوها واستباحوها ورجعوا، ولم يتجاسروا على هَذَا منذ فُتحت ديار مصر، وقد دخلوا من عند دِمياط فِي النيل أيضًا في سنة سبعٍ وست مائة إلى قرب بورة، ففعلوا نحو ذلك.
وفيها نزل صاحب سيس على أنطاكية وجَدّ في حصارها، فخرج صاحب حلب وخيَّم على حارم، فخاف صاحب سيس على بلاده وترحَّل، ثُمَّ بعد أيام هجم أنطاكية بمواطأةٍ من أهلها، فقاتله البرنْس ساعةً، ثُمَّ التجأ إِلَى القلعة ونادى بشعار الملك الظاهر، وصرح بِطاقةً إِلَى حلب، فَنَجَده صاحب حلب، فبلغ ذلك صاحبَ سيس، ففرّ إلى بلاده.
وفيها أقبلت الفرنج من كل فجّ عميق بعكَا عازمين على قصد بيت المقدس، فخرج العادل ونزل على الطُّور، وجاءته النَّجدة من الأطراف، وأقبلت الفرنج تُغِير على بلاد الْإِسْلَام وتأسر وتسبي، واستمرّ الحال على ذلك شُهوراً.
وأمّا القسطنطينية فلم تزل بيد الروم من قبْل الْإِسْلَام فلمّا كان فِي هَذَا الأوان أقبلت الفرنج فِي جمْعٍ عظيم ونازلوها إِلَى أن ملكوها.
قال ابن واصل: ثُمَّ لم تزل فِي أيدي الفرنج إِلَى سنة ستين وستّمائة، فقصدتها الروم وأخذوها من أيدي الفِرنج، فهي بأيديهم إِلَى الآن، يعني سنة بضعٍ وسبعين وستّمائة.
وفيها ظفر متولّي واسط برئيس الباطنيَّة مُحَمَّد بِن طَالِب بْن عُصَيَّة ومعه طائفة، فقُتِلوا بواسط ولله الحمد، وكانوا أربعين نفساً.