-سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

فيها استُنِيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ بن عليّ ابن البخاريّ.

وفيها أُفرج عن الأمير مُجير الدين طاشْتِكين الحاجّ، ووُلّي مملكة بلاد -[932]- خُوزسْتان، ووْسم بالملك، وأُنعِم عليه بكوسات وأعلام.

وقال أبو شامة: وفيها قدم العزيز ثالثًا إلى الشّام ومعه عمّه الملك العادل.

قلت: فحاصرا دمشق مدَّةً يسيرة، ووقعت المخامرَة من عسكر دمشق ففتحوا الأبواب، ودخل العزيز والعادل في رجب.

قال ابن الأثير: كان أبلغ الأسباب في ذلك وثُوق الأفضل بعمّه، وقد بلغ من وثوقه به أنه أدخله بلده وهو غائب عنه، وقد كان أرسل إليه أخوه الظّاهر يقول له: أخرج عمّنا من بيننا، فإنّه لا يجيء علينا منه خير، وأنا أَعْرَف به منك، وأنا زوج بنته. فردّ عليه الأفضل: أنت سّيئ الظنّ، وأيّ مصلحةٍ لعمّنا في أن يؤذينا؟ ولما تقرّر العادل بمصر استمال الملك العزيز، وقرّر معه أنه يخرج إلى دمشق، ويملك دمشق ويسلّمها إليه، فسار معه وحصروها، واستمالوا أميرًا فسلِّم إليهم باب شرقيّ، وفتحه ودخل منه العادل ووقف العزيز بالميدان، فلمّا رأى الأفضل أن البلد قد مُلِك، خرج إلى أخيه ودخل به البلد، واجتمعا بالعادل وقد نزل في دار أسد الدّين شيركوه، فبقوا أيامًا كذلك، ثم أرسلا إلى الأفضل ليتحوّل من القلعة، فخرج وسلَّم القلعة إلى أخيه.

قلت: رجع العزيز إلى مصر، وأقام العادل بدمشق، فتغلّب عليها، وأخرج أولاد أخيه صلاح الدين عنها، وأنزل الأفضل في صَرْخَد.

وقال أبو شامة: انفصل الحال على أن خرج الأفضل إلى صَرْخَد، وتسَّلم البلد الملك العزيز، وسلمها إلى عمه، وأسقط ما فيها من المُكُوس، وبقيت بها الخطْبة والسّكَّة باسم الملك العزيز.

وقال في " الروضتين ": فيها نزل العزيز بقلعة دمشق، ودخل هو وأخوه الأفضل متصاحبَيْن إلى الضّريح النّاصريّ، وصلى الجمعة عند ضريح والده، ودخل دار الأمير سامة في جوار التُّربة، وأمر القاضي محيي الدّين أن يبنيها مدرسةً للتربة، فهي المدرسة العزيزيَّة، ووقف عليها قرية محجَّة. -[933]-

قلت: ما أحسن قول ملك البلاغة القاضي الفاضل: أمّا هذا البيت فإنّ الآباء منه اتَّفقوا فملكوا، وأنّ الأبناء منه اختلفوا فهلكوا، إذا غَرَب نجْمٌ فما في الحيلة تشريقهُ، وإذا خُرِق ثوبُ فما يليه إلا تمزيقهُ، وإذا كان الله مع الخصم فمن يُطَيقُه؟

قال أبو شامة: وأُخِذَت قلعة بصرى من الملك الظافر خضر ابن صلاح الدّين، أخذها أخوه.

قال: وفيها بعد خروج الناس من مكة هبت ريح سوداء عمت الدنيا، ووقع على الناس رملٌ أحمر، ووقع من الركن اليَمَانيّ قطعة، وتجرّد البيت مراراً.

قَالَ: وفيها سار عسكر خوارزم شاه على مقدمته مملوك له جاء فكسر عسكر الخليفة، وكان في مقدمته وهو عشرون ألفا ابن القصاب الوزير، أشنع من كسرة ابن يونس، وعاد العسكر إلى بغداد عرايا جياعا، وقطع رأس الوزير وبعث به وبأعلام الخليفة والخزائن، وكان ذلك على باب همذان.

ومن خبر خُوارزم شاه أنه كان قد قطع نهر جيحون في خمسين ألفاً، ثمّ وصل همذان وشحن على البلاد إلى باب بغداد، وبعث إلى الخليفة يطلب السَّلْطَنة، وإعادة دار السلطنة إلى ما كانت، وأن يجيء إلى بغداد، وأن يكون الخليفة من تحت يده كما كانت الملوك السَّلجوقية، فانزعج الخليفة وأهل بغداد، وغلت الأسعار.

قال: وفيها كانت وقعة أخرى ليعقوب بن يوسف مع الفُنْش، وكان الفنْش قد حشد وجمع جمعًا أكثر من الأوّل، ووقع المُصَاف، فكسره يعقوب، وساق خلفه إلى طُلَيْطُلة ونازلها، وضربها بالمنجنيق، وضيّق عليها ولم يبق إلا أخذها، فخرجت إليه والدة الفنْش وبناته وحريمه، وبَكَيْنَ بين يديه وسألْنَه إبقاءَ البلد عليهنّ، فرقّ لهن ومَنَّ عليهنّ بالبلد، ولو فتح طُلَيْطُلَة لفتح إلى مدينة النّحاس، وعاد إلى قُرْطُبة وقسم الغنائم، وصالح الفنش مدّة. -[934]-

وقيل: إن هذه الوقعة كانت في سنة إحدى وتسعين.

وفيها وفي التي قبلها عاث ابن غانية الملثَّم، وخَلَت له إفريقية، وكان بالبرّية مع العرب، فعاود إفريقية، وخرّبت عساكره البلاد، فلهذا صالح يعقوب الفِرنج ورجع إلى المغرب لحرب الملثَّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015