-سنة إحدى وثمانين وخمس مائة

فِي المحرَّم وقع بناحية نهر الملك بَرَدٌ أهلك الزَّرْع وقتل المواشي، وُزِنت منه بَرَدة فكانت رِطْلين بالعراقيّ.

وَفِي صَفَر انفصل رَضِيُّ الدين أَبُو الخير القزْوينيّ عَنْ تدريس النّظامّية، وولي أَبُو طَالِب الْمُبَارَك بْن الْمُبَارَك الكرْخيّ، وخُلِع عليه منَ الدّيوان العزيز بطرحة.

وفي رجب أمر الخليفة بمنْع الوعّاظ كلَّهم إلاّ ابن الجوزي.

ووُلِد بالعلث ولدٌ طول وجهه شبر وأربع أصابع، وله أُذُنٌ واحدة.

وفيها وردت الأخبار بأنَّ عليّ بْن إِسْحَاق الملثَّم خطب للنّاصر لدين اللَّه بمعظم بلاد المغرب، وخالف بني عبد المؤمن.

وفيها سار السّلطان الملك النّاصر قاصدًا الموصِل، فَلَمَّا قاربَ حلبَ تلقّاه صاحبها الملك العادل أخوه، ثمّ عَدَّى من الفراتَ إلى حَرّان، وكانت إذ ذاك لمظفّر الدين ابن صاحب إربِل، وَقَدْ بَذَل خطّه بخمسين ألف دينار يوم وصول السّلطان إلى حَرّان برسم النَّفَقَة، فأقام السّلطان أيّامًا لَمْ يَرَ للمال أثرًا، فغضب عَلَى مظفّر الدّين واعتقله، ثُمَّ عفا عَنْهُ، وكتب لَهُ تشريفًا بعد أن تسلَّمَ منه حرَّان، والرُّها، ثُمَّ أعادهما إِلَيْهِ فِي آخر العام ثم سار إلى المَوْصِل فحاصرها وضايقها، وبذلت العامَّةُ نفوسهم فِي القتال بكل ممكنٍ لكون بِنْت السلطان نور الدين زَوْجَة صاحب المَوْصِل عزّ الدّين سارت إلى صلاح الدّين قبل أن ينازل البلد، وخضعت لَهُ تطلب الصُّلْح والإحسان، فردّها خائبة، ثُمَّ إنَّه ندِم، ورأى أَنَّهُ عاجز عَنْ أخْذ البلد عَنْوةً، وأتته الأخبار بوفاة شاه أرمن صاحب خِلاط، -[668]- وبوفاة نور الدين مُحَمَّد صاحب حصن كيفا وآمِد، فتقسّم فِكْرُه، واختلفت آراء أمرائه، فلم يلبث أن جاءته رُسُل أمراء خِلاط بتعجيل المسير إليهم، فأسرع إليهم، وَجَعَل عَلَى مقدِّمته ابنَ عمه ناصر الدين محمد بن شِيرَكُوه ومظفَّر الدّين كوكبري ابن صاحب إربل إلى خِلاط، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قَدْ تملَّك، فنزلا بقربها، ووصل الملك شمس الدّين البهلوان مُحَمَّد بْن إلْدِكِز بجيش أذرْبَيْجان ليأخذ خِلاط فنزل أيضًا بقربها. وكان الوزير بها مجد الدين عَبْد اللَّه بْن الموفَّق بْن رشيق، فكاتب البهلوان مرة وصلاح الدّين أخرى.

ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم بالعَود إِلَيْهِ فعادوا، وتسلّمها بالأمان، وسلّمها إلى مملوكه سُنْقُر فِي جُمادى الأولى. ورحل فأتته رُسُلُ البهلوان بما فِيهِ المصلحة وأن يرجع عَنْ خِلاط، فأجاب: عَلَى أن ترحل أنت صلاح الدين أيضًا إلى بلادك.

ثُمَّ عاد صلاح الدّين فنازل المَوْصِل وضايقها، فخرج إِلَيْهِ جماعة منَ النّساء الأتابكيّات فخضعْن لَهُ، فأكرمهنّ وقبِلَ شفاعتهنّ. واستقرّ الأمر عَلَى أن يكون عماد الدِّين زنكي بْن مودود بْن زنكي صاحب سنْجار هُوَ المتكلّم، فتوسَّط بأن تكون بلاد شهرزُور وحصونها للسّلطان، وتُضْرب السّكَّة باسمه والخطْبة لَهُ بالموصل، وأن تكون الموصل لصاحبها، وأن يكون طَوْعه.

ثم رجع السّلطان فتمرّض بحَرّان مُدَيْدَة، واستدام مرضه، وتناثر شَعْر رأسه ولحيته، وأرجفوا بموته، ثم عُوفي.

وتُوُفّي ناصر الدّين محمد ابن أسد الدّين صاحب حمص، فأنعم بها السّلطان عَلَى ولده الملك المجاهد أسد الدّين شِيركُوه بْن مُحَمَّد. وسِنُّه يومئذٍ ثلاث عشرة سنة، وامتدَّت أيّامه.

وأمّا أَهْل خِلاط فإنّهم اصطلحوا مَعَ البهلوان محمد، وصاروا من حزبه وخطبوا له.

قَالَ ابن الأثير: وفيها ابتداء الفتنة بَيْنَ التُّرْكمان والأكراد بالموصل، والجزيرة، وشهرزور، وأَذَرْبَيْجان، والشّام. وقُتِلَ فيها منَ الخلْق ما لا يُحصى، -[669]- ودامت عدَّة سِنين، وتقطّعت الطُّرُق، وأُرِيقت الدّماء، ونُهبت الأموال، وسببها أن تُرْكمانيّة تزوَّجت بتُركمانيّ، فاجْتازوا بأكرادٍ، فطلبوا منهم وليمة العُرْس، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آلَ إلى القتال، فقُتِل الزَّوج، فهاجت الفِتنة، وقامت التّرْكُمان عَلَى ساقٍ، وقتلوا جمْعًا كثيرا منَ الأكراد، فتناخت الأكراد وقتلوا فِي التُّرْكُمان. وتفاقم الشَّرّ ودام، إِلَى أن جمع الأمير مجاهد الدّين قايماز عنده جَمعًا من رؤوس التُّرْكُمان والأكراد وأصلح بينهم، وأعطاهم الخِلَع والثّياب، وأخرج عليهم مالًا جمًّا، فانقطعت الفتنة.

وفيها استولى ابن غانية الملثَّم عَلَى أكثر بلاد إفريقية كما ذكرناه فِي سنة ثمانين استطرادًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015