-سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

فِي المحرَّم وعَظَ ابْن الجوزي، وحضر الخليفة في المنظرة، وازدحمت الأمم.

قال: وكان عُرس ابنتي رابعة، وحضرت الجهة المعظّمة، وجهزتها من عندها بمال كثير.

وفي صَفَر نقصت دِجْلة واخترقت حتى ظهرت جزائر كثيرة، وكانوا يجرون السُفُن فِي أماكن.

وجاء في آب برد شديد ببغداد، فنزلوا من الأسطحة، ثم عاد الحر وطلعوا.

وفي جُمَادَى الآخرة وَعَظْتُ بجامع القصر، واجتمع خلائق، فحزر الجمع بمائة ألف، وكان يومًا مشهودًا.

وفيها قارب بغدادَ بعضُ السَّلْجُوقية مِمَّن يروم السلطنة، وجاء رسوله ليُؤذن لَهُ فِي المجيء، فلم يلتفت إليه، فجمع جَمْعًا، ونهب قُرى. فخرج إليه عسكر فتواقعوا، وخرج جماعة. ورجع العسكر فعاد هُوَ إلى النَّهْب، فرد إليه العسكر وعليهم شُكر الخادم، فترحَّل إلى ناحية خراسان.

وفيها كانت بالري وقزوين زلزلة عظيمة.

وفِيهَا قَالَ رجلٌ لطحان: أعطني كارة دقيق. فقال: لَا. فقال: وَاللَّه ما أبرح حتى آخُذ! فقال الطحان: وحق علي الَّذِي هُوَ خير من اللَّه ما أُعطيك! فشهد عَلَيْهِ جماعة، فَسُجِن أيامًا. ثم ضُرِب مائة سَوط، وسُود وجهُهُ وصُفِعَ والناس يرجمونه، وأعيدَ إلى الحبس.

وجلس ابْن الجوزي فِي السنة غير مرة، يحضر فيها الخليفة.

وفِيهَا كانت وقعة الكنز مقدَّم السودان بالصعيد، جمع خلقًا كبيرا، وسار إلى القاهرة فِي مائة ألف ليُعيد دولة العُبيديين، فخرج إليه العادل سيف الدين -[464]- وأبو الهيجا الهكّاري، وعز الدين موسك، فالتقوا، فقتل الكنز، وما انتطح فيها عنزان، وقتل خلق كثير من جموعه، حتى قِيل: إنه قُتِلَ منهم ثمانون ألفًا. كذا قَالَ أَبُو المظفر بْن قزغلي، فالله أعلم بذلك.

وفِيهَا أخذ صلاح الدين مَنْبِج من صاحبها قُطْب الدين ينال بْن حسان المَنْبِجي، وكان قد ولاه إياها الملكُ نورُ الدين لما انتزعها نور الدين من أخيه غازي بْن حسان.

وفِيهَا حاصر صلاح الدين حلب مدة، ثم وَقَعَ الصُلْح، وأبقَى حلب على الملك الصالح إسماعيل ابن نور الدين ورد عليه عزاز. وعاد إلى مصياب بلد الباطنية، فنصب عليها المجانيق، وأباح قتْلهم، وخرّب بلادهم، فضرعوا إلى شهاب الدين صاحب حماه خال السلطان، فَسَأل فيهم، فترحَّل عَنْهُمْ. وتوجه إلى مِصْر وأمَرَ ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة، وجعل على بنائه الأمير قراقوش.

قال ابْن الأثير: دُورة تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالهاشمي، ولم يزل العمل فيها إلى أن مات صلاح الدين.

وقال أَبُو المظفر ابْن الجوزي: ضيَّع فِيهِ أموالًا عظيمة، ولم ينتفع به أحد.

وأمَرَ بإنشاء قلعة بجبل المقطَّم وهي التي صارت دار السلطنة.

قال ابْن واصل: شرع بهاء الدين قراقوش الأسدي فيها، وقطع -[465]- الخندق وتعميقه، وحَفَر واديه، وهناك مسجد سعد الدولة، فدخل فِي القلعة. وحفر فِيهَا بئرًا كبيرًا فِي الصَّخْر. ولم يتأتَّ هذا بتمامه إلَّا بعد موت السلطان بمدة. وبعد ذلك كمل السلطان الملك الكامل ابْن أخي صلاح الدين العمارات بالقلعة وسكنها، وهو أول من سكنها، وإنما كان سُكْناه وسُكْنى من قبِله بدار الوزارة بالقاهرة.

ثمَّ سافر إلى الإسكندرية، وسمع فِيهَا من السلفي، وتردَّد إليه مرَّات عديدة، وأسمع منه ولديه: الملك العزيز، والملك الأفضل. ثم عاد إلى مِصْر وبنى تربة الشافعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015